رغيف الخبز الذي يعتبر الوجبة الأساسية لكل الأسر والعائلات الليبية، دون استثناء، يعتبر مقياسا لارتفاع الأسعار وانخفاضها.. هذا الرغيف تحول في السنوات الأخيرة إلى إحدى أهم المقاييس للمقارنة بين الماضي والحاضر، وبين ما كان وما يحدث اليوم، وأصبح جزءً من الأزمات المعيشية التي يعيشها المواطن الليبي يوميا، بسبب تغير أسعار هذا الرغيف بشكل متواصل ودون استقرار على سعر ثابت، كما كان يحدث في الماضي.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل تجاوز كل ذلك، بعدم توحيد حجم الرغيف ووزنه بين المخابز، حيث أصبح كل مخبز يضع الوزن والحجم الذي يناسب صاحبه، ومن يصنعه دون أي التزام بالحجم أو بالوزن المفترض أنه محدد من الجهات الرسمية، ولو نظريا على الورق فقط، دون أن ننسى نوعية الرغيف، ومدى مطابقته للمواصفات الصحية والجودة المطلوبة، إذ أصبحت عديد المخابز تنتج في خبز ربما لو نطق الحيوان “الذي يقدم له جزء من هذا الخبز” نفسه لرفضه.
كل ذلك يتم في غياب شبه تام من الجهات الرسمية والرقابية، التي لا نراها إلا عبر الشاشات وفي التصريحات والقرارات، ومن خلال حملات موسمية لا تغير من المشهد والوقع شيئا، حتى أصبحت أسعار الخبز مثل أسعار الدجاج والبيض، كل يوم بسعر أو بحجم، فمن لا يرفع الأسعار يقلل في الحجم، وكل مخبز يفعل ما يحلو له، أم النوعية والجودة فحدث ولا حرج في جل المخابز، أم الجهات المسؤولة والأجهزة الرقابية، فلا مكان لها ولا علاقة بكل ما يحدث، فقط؛ مجرد قرارات وهمية لا تتجاوز المكان الذي وقعت فيه، وتصريحات لا معنى لها، ولا تغادر الشاشات التي قيلت عبرها، وكأن الأمر لا يعنيها لا يهمها حتى في مراقبة الحجم والجودة على الأقل بعد أن فشلت في تحديد الأسعار ومتابعاتها، ليبقى المواطن هو من يدفع الثمن مالا وصحة.
رغم عديدة المحاولات التي اتخذت الفترات الماضية من الجهات الرسمية والرقابية، للتعامل مع أصحاب المخابز، من خلال عقد عديد الاجتماعات من أجل الوصول إلى حلول في موضوع توفير الخبز، ونوعيته، وحجمه، وأسعاره، خاصة في فترة ارتفاع أسعار الدقيق ونقصه بالسوق.
كانت هناك اجتماعات متواصلة، اتفاقات متعددة حول الأمر، فحددت الأسعار، والحجم، والعدد لكل دينار وغيرها، لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح اليوم، فلا الأسعار احترمت ولا الأوزان كانت كما طلب، رغم انخفض أسعار الدقيق وتوفره في العديد من الأحيان، إلا أن لاشي يتغير لا النوعية، ولا الجودة، التي حدث ولا حرج، فهي آخر ما يمكن أن تجده في جل المخابز، خاصة تلك التي في الشوارع الفرعية والبعيدة عن الأنظار الرسمية.
لعل ما تكشفه الحملات التفتيشية غير المنتظمة والمتقطعة، من فساد في نوعية وجودة الخبز، ومن يقوم بتصنيعه من عمالة، لا أعتقد أن له أي خبرة بهذا المنتج عندما قدمت من بلادها، وما قد تحمله من أمراض وعدم نظافة وغيرها، خاصة في ظل غياب أصحاب المخابز -أو جلها على الأقل- عن مخابزهم، وترك الأمر لغيرهم لمتابعة كيفية العمل ونوعية الجودة.
فهل انتصرت المخابز عل كل الجهات الرسمية والرقابية واسقطتها من حسابها؟ وأصبحت صاحبة الكلمة الأولى لتفعل ما تريد وما يحلو لها برغيف المواطن، دون حسيب أو رقيب من رفع الأسعار متى يحلو لها، إلى غياب الحجم المناسب حسب الوزن المفترض والمطلوب للرغيف، وغياب النوعية والجودة المطلوبة دون أي اعتبار لذلك، أو خوفا من محاسبة أو شعورا بمسؤولية ما تقدمه للمواطن.
فأين كل هذه الجهات التي تنشط يومًا وتختفي دهرًا، من متابعة الأمر في كل نواحيه، والعمل على توفير رغيف خبز نظيف بجودة عالية، وسعر مناسب ووزن محدد، دون تلاعب أو سرقة؟؟!! أم إن الأمر آخر هم الجميع إلا عبر الشاشات والقرارات والتصريحات الوهمية؟؟!!