المقالة

ما ضاع حق وراءه مطالب

الذكرى الثانية لرحيل الكاتب الصحفي الليبي أحمد محمد عاشوراكس

كتاب (صفحات تاريخية خالدة من الكفاح الجزائري المسلح ضد جبروت الاستعمار الفرنسي الاستيطاني .. 1500 - 1962 م) للكاتب الصحفي أحمد محمد عاشوراكس
كتاب (صفحات تاريخية خالدة من الكفاح الجزائري المسلح ضد جبروت الاستعمار الفرنسي الاستيطاني .. 1500 – 1962 م) للكاتب الصحفي أحمد محمد عاشوراكس

بادئ ذي بدء إنه ليوم أغر، تحقق فيه بعون الله تعالى ثمار جهاد ثورة الجزائر العظيمة -فهذا اليوم- 5 يوليو 1962م – يعتبر نصراً قومياً حقيقياً للشعب الجزائري المناضل دوماً. فقد كان الاستعمار الفرنسي الاستيطاني العنصري البغيض حقاً حملاً ثقيلاً على كاهل الشعب الجزائري، الذي كافح وجاهد وضحى كثيراً أثناء ثورته المباركة ضد الاستعمار ومرتزقته المتوحشة. فقد بذل العرق والدم والنفس بسخى في سبيل أن ينال حريته وسيادته كاملين على ترابه الطيب دون أن تدنسه أقدام الدخلاء المستعمرين وقواعدهم المختلفة الرهيبة الخطيرة .

هذا ومهما حاول أن يكتب الإنسان من كتب في تاريخ ثورة الجزائر الشجاعة ضد غزوات أوروبا وفرنسا بالذات لا يمكن أن يفي بجوانبها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية إلَّا شذر مذر. فكتابي هذا يعتبر محاولة متواضعة لجعل القارئ العربي أينما وجد على اتصال بالكفاح الجزائري وحقائقه دون رتوش.

هذا وبثورة الجزائر قد انجلى الليل فعلاً – ليل الاستعمار الفرنسي الظالم حيث نال الشعب الجزائري حريته بحد السيف .. فليس ما ناله إذن منَّة من أحد أبداً .. فقد قامت الثورة تعبيراً لإرادة الشعب في أن يكون سيد مصيره دون قيد أو شرط وبذلك فقد اعتبرت الثورة الجزائرية معجزة القرن العشرين قولاً وفعلاً نظراً لوقوفه أمام قوة الاستعمار الفرنسي -جيشاً مدرباً على القتل والذبح .. وسلاحاً أرضاً وجواً وبحراً مدمراً دون شفقة إطلاقاً!!

ورغم كل ذلك فقد انتصر الحق وهزم الباطل. هذا وعبق النسيم الهادي بأريج زهور يوليو فامتد عبيره من قسنطينة شرقاً إلى تلمسان غرباً وانطلقت مع الحمائم البيض زغاريد الفرحة الكبرى والانتصار العظيم. فقد آن لشواطئ الشمال الأفريقي أن تغسلها مياه البحر طاهرة مقدسة بعد أن كانت ملطخة بالدماء الحمر إلى عهد قريب!!

كان يوماً لا كالأيام الذي نشهد فيه ميلاد الشمس في الفجر وانتحارها عند الغروب .. ولكنه يوم أشرقت فيه شمس من نوع جديد وهاجة ناصعة تعلن للملأ نبأ لا كالأنباء التي يسوقها لنا الروتين من آن لآخر.. بل تعلق خبر انفلاق صبح الحرية الذي سيطول ويعم ضوءه أرجاء القطر الجزائري البطل واندحار ليل العبودية ودياجير ظلم وجبروت الاستعمار الفرنسي الاستيطاني البغيض.

إنه اليوم المنتظر والغد المأمول والمستقبل الباسم، الذي طالما اشرأبت له الأعناق، أعناق المليون شهيد، الذين أتاحت لهم الأقدار أن ينالوا الحرية في السماء، كما قدر للأحياء من المجاهدين أن ينالوا الحرية على الأرض. يقول الحق جل وعلا: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اُلَّذِينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ اْللّهِ أَمْوَتًا بَلْ أَحْيَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169] صدق اللَّه العظيم.

عمت الغبطة والسرور دنيا المعمورة بأسرها، وكان لدنيا العرب النصيب الأكبر من الانشراح والحبور والسعادة، بفوز الجزائر أسطورة القرن العشرين، باستقلالها المظفر الذي احتفلت به في الخامس من يوليو من عامنا هذا، وهي ذكرى تصادف، وما أغرب الصدف في حياة الدول يوم احتلال الغاصب الفرنسي الجزائر عنوة بقوة الحديد والنار وخبث الساسة ودهاء الحكام.

وقال الدخيل الغاصب: إن الجزائر منذ اليوم فرنسية وأن لفرنسا الحق في استثمار خيراتها إلى ما شاء الله وقال العرب .. بل قال المواطن العربي في الجزائر أنها أرضي وسمائي وسأذود عن حماها إلى ما شاء الله، وشاء الله أن غدت الجزائر للجزائريين بالقوة.. وما كانت فنون المستعمر في التعذيب والقهر والاستبداد والقتل، أن تنل من عزائم أبطال الجزائر وأحرارهم، فالجزائريون عرفوا طريقهم وسبيلهم المستقيم منذ يوم مأساة مايو من عام 1945م، تلك المجزرة المشهورة التي ذهب ضحيتها أكثر من 45 ألف شهيد غدراً وعدواناً وجريرة هؤلاء العظمى أنهم طالبوا بتقرير مصيرهم بعد 115 سنة حكم استبدادي عنصري .. طالبوا الأبرياء مقابل ما بذلوه من جهد جسماني لإنقاذ فرنسا من براثن النازيين في الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945).

ولكن منطق فرنسا كان الكبرياء الأجوف حيث أنها لم تكن تفقه سوى الإذلال والعجرفة وتجاهل حقوق الإنسان التي قيل أنها مصدرها وموطنها الأصيل .. ثم ما زاد الطين بلة أنها حاولت قمع الشعب الجزائري بأسره دون أي وازع من ضمير حي ناسية أو متناسية أنها بهذا التصرف سوف توقد نار الثورة في نفوس الشعب المظلوم وأنه لا ينسى الثأر مطلقاً مهما طال الأمد.

 فثارت الجزائر بما تملك .. فكانت ثورتها حلماً وسرعان ما كان حقيقة لأجيال أدهشت العالم بأجمعه حتى أطارت عقل فرنسا وجيوشها الجرارة وحلفاءها ومن ورائهم الحلف العسكري الأطلسي .. كل هذا لأن بسالة الشعب الجزائري لا مثيل لها في عصرنا هذا.. عصر الرفاهية والدعة ورغد العيش .. فبينما كان هناك أغلب شعوب الأرض تنعم بالسلام كان الجزائريون في شقاء الحرب وتعاسة التشريد وبينما كان شهر يوليو يطل من كل عام يحمل بين جنبيه بشرى الاستقلال لدول العالم التي قدر لها أن تنال حريتها في هذا الشهر بالذات كان يشيح بطلعته عن الجزائر الخضراء ويبخل بابتسامة يعطيها للجزائريين البواسل.

ولكن يوليو يسرع في الخطى وإذا به يقفز قفزة النصر ويسرف في توزيع ابتساماته على أبناء الجزائر ويمد أياديه البيضاء مصافحاً كل فرد مهنئاً باستقلال الجزائر الحبيبة.. فلقد كانت حرب السبع سنين التي دارت رحاها منذ أول نوفمبر 1954، كفيلة بأن أخضعت فرنسا لمنطق الحق وصدق أحمد شوقي عندما قال :

وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة تدق.

فقد بذل الجزائريون من دمائهم ما يملأ المحيط الأطلسي غزارة وتدفقاً ونالوا بحق مبتغاهم وأمانيهم لأنهم اعتصموا بحبل متين ومثل سائر قديم ألا وهو (ما ضاع حق وراءه مطالب طال الزمن أم قصر..) واستقلال الجزائر بعد انتصاره الساحق على عدوه .. هو نصر مبين ليس للجزائر فحسب ولكنه لجميع الشعوب التواقة للحرية وتقرير المصير لفلسطين العربية اليوم وغداً.

_____________________________

المقالة نشرت في: مجلة (صوت المغرب)، بتاريخ 20 – 7 – 1962م. وجاءت خاتمة كتاب: أحمد محمد عاشوراكس (صفحات تاريخية خالدة من الكفاح الجزائري المسلح ضد جبروت الاستعمار الفرنسي الاستيطاني .. 1500 – 1962 م)، المؤسسة العامة للثقافة، طرابلس، 2007م.

مقالات ذات علاقة

التعصب والعنصرية لدى الشعب الليبي

عمر أبوالقاسم الككلي

حكـايـة الإنـسـان

زياد العيساوي

ما لا يجـوز التغـني به

زياد العيساوي

اترك تعليق