طارق القزيري
لأول مرة فيما يذكر يشرب قهوته دفعة واحدة، اختلطت لذعة مرارة يعشقها في فنجانه، مع حرارة وسخونة تبقت في قهوته التي انتظرته، كي يفرغ لها، ويقفل الباب خلف ساعي العمارة!!
عجلته في ارتشاف القهوة لم تكن إلا انعكاسا مباشرا، لحالة الذهول التي تنتابه كلما تذكر أنه وقع كفريسة لمشاعره، ولأول مرة في حياته، لم يفهم لماذا أحبها؟ ولَم يجد عبارة أو تركيبا لغويا يمكنه أن يحتمل تفسير واقعه وحاله معها.
لم يكن له مبرر في هذا العشق الذي تلبسه، ولا توقيته، وقد جاوز الأربعين عامًا من عمره، ومر بكثير من المغامرات والالتفاتات العاطفية المثيرة، كان يعتقد على الدوام أن النساء لعبته المفضلة، وحتى إن خسر رهانًا ما، مع إحداهن! فسوف يكسب غيره وغيره مع غيرها من بنات جنسها.
ومما أزعجه -ولَم يستطع تفاديه- ما ران على دواخله من “خجل”!! كيف له تبرير ما حدث أمام صديقه؟ الذي لطالما امتد حديثه عن الحب، وظل هو يسخر منه، ومن شاعريته الساذجة كما قال له مرارا؟ كيف سقطت نظرياته عن اللامبالاة بالشاعرية والرومانسية، دفعة واحدة! وصار مريدا خانعًا، لنقيض محاضراته التي توارت خلف نزوعه المطلق، لكل ما يتعلق بها؟
طيلة النقاشات مع ذلك الصديق، تعلل “بأنه لن يترك نفسه رهنًا لامرأة تتركه محطمًا، وترميه شظايا قلب، ليعيش ندما وحسرةً على علاقة وقبل ذلك ثقة منحها بصدق، وارتدت إليه بألم”.
كل ذلك تبخر، تلاشى، وقد حازت ثقته، فلم يعد يخطر له ولو لمحة، أن علاقته بها ستنقطع يومًا، ولَم يعد يسأل نفسه: لماذا يحبها؟ بل لم يعد حتى يراجع نفسه؛ لمَ يتعلق بها إلى هذا الحد؟
كان هادئا في علاقته بها، كمؤمن، موقنا كأحد حواري الأنبياء، معتقدًا مثل الصديقين والأتباع المبشرين بالثواب، أحبها بهدوء، لم يشعر بعنف عشقه لها، العنف يحتاج لفراغ، لمساحات تتيح الاصطدام، لتناقضات تولد مرحلة من اللا توافق، لكنه بريء من كل هذا، كل ما هناك ذهول، استسلام، لا يفارقه، كهذا الذهول الذي جعله يخالف عوائده مع القهوة بالذات!!
وعندما تذكر إنها غيّرت حتى علاقته بالقهوة، أحس بنفسه يغوص في مقعده، وينتشي بشعور هزيمته، وابتسم لهذا الشعور بالذات!!