الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
نظمت الجمعية الليبية للآداب والفنون ندوة خاصة عن الأدب الفلسطيني جاءت بعنوان (قراءات في الرواية الفلسطينية)، وذلك بمشاركة كل من الكاتب “يونس الفنادي“، والكاتب “رمضان سليم“، والكاتب “رضا بن موسى” على مسرح القبة الفلكية بمدينة طرابلس مساء يوم الثلاثاء 5 من شهر مارس الجاري ضمن نشاطات الموسم الثقافي لربيع عام 2024م، وبحضور نخبة من الكتاب والأدباء والمثقفين أدارت وقدمت الندوة الإعلامية “فريدة طريبشان”.
الواقعية الفلسطينية والخيال الروائي
واستهلت أولى المشاركات بورقة نقدية بعنوان(الواقعية الفلسطينية والخيال الروائي) شارك بها الكاتب يونس الفنادي تناول من خلالها رواية (الحب والخبز) للروائية “أسيا عبد الهادي” مشيرا إلى أنه بعد ما يزيد عن النصف قرن على بداية مأساة الشعب الفلسطيني استعادت الروائية آسيا (خولة) عبدالهادي وعيها الفكري وتوازنها العاطفي، وأزاحت الغبار عن تركتها الماضوية، واستنطقت ذاكرتها الشابة لإعادة شريط مشاهداتها ومعاناتها أثناء معايشتها الشخصية أحداث (النكبة) أولى الهزائم الفلسطينية والعربية، وتابع الفنادي:رواية (الحبُّ والخبز) تكتسي أهمية خاصة بين العديد من الروايات الصادرة المتعلقة بالشأن الفلسطيني، وذلك لانتمائها إلى ما يعرف بالأدب الواقعي المتسم بالموضوعية الجادة، واستعراض وتتبع مشاهدات وسير وحكايات ووقائع حقيقية، والابتعاد عن الفانتازيا والأخيلة الواسعة الجذابة، وأضاف الفنادي بالقول : إن هذا المذهب السردي الواقعي لم يظهر مفرداً وحيداً في هذه الرواية بشكل مطلق، بل تطعم في بعض مواضعه بالكثير من الصور الفنية التي صنعتها الكاتبة من وحي خيالها لإضفاء المزيد من التشويق والجاذبية على نصّ الرواية، والذي تضمن محطات سيرية مبثوتة في ثنايا سرد واقعي، كما بيّن الفنادي أيضا جوانب أخرى من الرواية قائلا :زخرت رواية (الحبُّ والخبز) بظهور عددٍ كبيرٍ جداً من الشخصيات التي لعبت أدواراً مختلفة، وقد ظلت شخصية الكاتبة حاضرة من خلال صوت الساردة في جميع فصول الرواية كشخصية رئيسية، باعتبارها الشاهدة على تفاصيل الأحداث ووقائعها الحقيقية، وقيامها بوظيفة الحكي والقص متسترة وراء الساردة (أسماء). وقد برعت الكاتبة في أسلوبها بمهارة وأتقنت التعبير والنقل الدقيق للأحداث، مع التحوير اللازم بشيء من الصنعة الفنية الروائية التشويقية، لعرض تفاصيل تجربتها الشخصية.
التزام الروايات الفلسطينية
فيما تطرق الكاتب رمضان سليم في مداخلته إلى رواية (بينما ينام العالم) للروائية “سوزان أبو الهوى” حيث أشار في توطئته لعلاقة غلاف الرواية بمضمونها وموضوعها المملوء بالرمزية ثم أردف رمضان سليم بالقول : أنه إذا انتقللنا لمتن الرواية سنجد خاريطة أشبه بشجرة العائلة تضم عددا من الأجيال المتعاقبة تؤكد لنا بأن هذه رواية أجيال، ورواية الأجيال نوعية منتشرة في جميع أنحاء العالم، واستشهد رمضان سليم بمجموعة من الأعمال الروائية مثل الحرب والسلام لتولستوي، وثلاثية نجيب مجفوظ وغيرها فرواية الأجيال تتميز بكونها رواية نهرية تنساب وتتدفق مثل النهر، وتابع رمضان سليم مضيفا أن الرواية كبيرة الحجم وثرية بالشخصيات والأحداث والأمكنة إذ تصور حالة أجيال متباينة ومتتالية في تاريخ فلسطين، وتوقف رمضان سليم عند جزئية تتعلق بالرواية الفلسطينية بوجه عام تتمثل في وجود ملمح رئيس في الرواية الفلسطينية يكمن في الالتزام الموضوعي فكل الروايات الفلسطينية روايات ملتزمة، والكاتب الفلسطيني ملتزم تبعا لطبيعته بالقضية الفلسطينية لا يستطيع أن يغادرها باعتباره مسكون فيها فهي الهم بالنسبة إليه دائما، وأوضح رمضان سليم أن هذا الالتزام الموضوعي لا يعني بالضرورة أنه التزام سياسي مباشر كالتزام الخطب والأيدولوجيا والديماغوجيا بقدر ما يظهر توازي بخط آخر في نفس المقام، كما أشار رمضان سليم إلى أن الالتزام الفني الذي تمتاز به الرواية الفلسطينية فالشكل الفني فيها واضح دائما، وتابع رمضان سليم مضيفا أن الرواية الفلسطينية تحتوي كذلك على عدة عناصر متكررة تقوم عليها مثل : المخيم، الفدائي، المعتقل، العودة وهذه الأخيرة تظل محورا مهما في الرواية الفلسطينية علاوة على اعتناء الرواية الفلسطينية بالجانب الفلكلوري، وأضاف رمضان سليم أن التركيز على هذه الثيمات الرئيسة يقودنا نحو الاهتمام بالهوية الفلسطينية فهذه المسلمات تعد تعبيرا عن مكونات الهوية والتراث الفلسطيني.
انعكاس المأساة الفلسطينية على الأبعاد الثقافية والأدبية
بينما شارك الكاتب “رضا بن موسى” بالإضاءة على رواية (مصائر…كونشرتو الهولوكست والنكبة) للروائي “ربعي المدهون” التي أوضح فيها أن الأحداث والوقائع المأسوية التي شكلت التغريبة الفلسطينية جراء نكبة عام 1948م تركت أثرا كبيرا في الشعب الفلسطيني حيث قدمت في بُعدها الثقافي والأدبي أعمالا ونصوصا روائية وإبداعية تحمل خصوصية سردية وتميزا فنيا يتمحور حول طبيعة الصراع وما يتضمنه من جدل بين الخاص الفلسطيني وبين الآخر الصهيوني المحتل، وتابع بن موسى : وقد قطعت تلكم النصوص الإبداعية شوطا كبيرا من جبرا إبراهيم جبرا، وغسان كنفاني، وإميل حبيب وصولا للأجيال الجديدة في مواكبتها للأساليب والتقنيات الروائية المتجددة واستخدامها لتقنيات سردية متعددة، وطرحها لأسئلة جريئة في مواجهة إشكاليات قضيتها الرئيسة، وأضاف بن موسى أن كلمة مصائر التي جاءت كعنوان لرواية ربعي المدهون تنبئ بأن ثمة حدث مهم قد يشكل تحولا أو تغيرا في الحياة بشرا أو مجتمعا فالمصير قد يؤدي إلى الخلاص والنجاة أو إلى الخراب والدمار أما عبارة كونشيرتو فهي مختلفة الدلالة عن غيرها بوضعها المتميز في العنوان قراءة منغمة كما توحي به الموسيقى من سمو ورقة قد تتجلى في البناء والأسلوب أما الهولوكست والنكبة فهي تدفع على الفور إلى النظر في الواقع والتاريخ ماضيا وحاضرا باتجاه المقارنة والمحاكمة والانصاف، وأردف بن موسى بالقول : إنه لغرض أدبي فني لرفع وتعميق ذائقة الاستمتاع بالرواية والانفعال مع عالمها الذي يحكمه المزج بين المتخيل والمتوقع فتكتب إحدى بطلاتها رواية داخل الرواية بحيث تظهر الشخصيات على كونها حقيقية ومتخيلة في أحيان أخرى، وحتى الروائي المدهون يحضر ضمن شخصياتها ربما لكسر الايهام ليتداخل كثيرا مع بطل الرواية السارد الأساس.