أحمد الفيتوري
إن الذي يتكرر هو الذي ليس له بديل.
• الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز
سبعون وسنوات خمس، وفلسطين ليست على خارطة العالم، تتنكر لها الولايات والأمم المتحدة والعرب والعجم، وكل من استطاع إلى ذلك سبيلا، لكن فلسطين تؤكد منذ خمسة وسبعين حولا أن ليس لها بديل. وعد من وعد وأنكر من أنكر، صهروها بالحديد والنار، ادعى من ادعى أنها أرض دون شعب، زيف من زيف أنها أرض الميعاد، دبجوا ما دبجوا ورتلوا الزبور تلو الزبور، فكانت أساطيرهم هباء منثورا، لأن فلسطين تؤكد أن ليس لها بديل. بالدم، ضحك أطفالها، شقشقة عصافير الجليل، ثغاء حملان القدس، وبشذى الحياة، فلسطين تؤكد أن ليس لها بديل، فكلما هجروا أهلها عنها عادوا كشعب الجبارين، من يؤكد المرة تلو المرة: أن فلسطين لا بديل لها.
من أراد أن يكون البديل لم يستطع، أوصدت السبل إليها، فجعلته يستبدل الجيتو بجيتو، يتسور في أسوار قرون وسطى، وفي معزله يبرر وجوده بوجود رقيق الحال: من يعيش في خوف من هبوب الريح وأنفاس الجيران ورفة الفراشة. وجوده يكمن في انعدام الأمن، في الحاجة لحماية دائمة من القوى العظمى، فيهوه من جعل منه شعب الله المختار قد خذله، وأساطير الأولين جعلته الملك الذي أشار طفل فلسطين إلى عريه*، ومنذ ذاك، منذ قرن ويزيد، ليس لشمشون غير طريقة واحدة، طريقته أن يهدم العالم.
تمترس أعداؤها بيهوه، وقرر سادتهم أنها أرض شعب الله المختار، نفوها من التاريخ وأزالوها من الجغرافيا، دبجوا ذلك بنيران أساطيلهم وطير أبابيل، رصدوا العجل الذهبي والمنّ والسلوى كي يمحوها، جوعوا أهلها علهم يتبعونهم، فجعلتهم طول السنين كالعصف المأكول في غيهم يعمهون، ففلسطين ليس لها بديل. فلسطين الدال والمدلول لا دويلة ولا دولتين، ومن ذلك كان شعب الله المختار قد تأكد: أنه مختار من الله ومن أهله للجيتو، للنفي، لأن يكون كبش إبراهيم أو سكين هتلر، ولقد أرادوها مأوى لورثة هتلر، من أعادوا أساليبه غاية تبرر وجودهم، وفي ظنهم أن ينجحوا فيما فشل فيه النازي!.
فلسطين هذا البلد الأمين، فلسطين بلد الزيتون والبرد والسلام، جعلها آل الحرب ثغر حرب، جاءها (جو) عجلا، يسعى لرئاسة مجلس الحرب في مدينة السلام القدس، المصاب بزكام الخيبة والدهشة، أرادها هيروشيما ونجازاكي معا، ليس استعارة بل حقيقة مثلما فعلت بلاده قبل، وعند إقرارها قرار الأمم المتحدة محو فلسطين من الخارطة، وجعل شعبها شعب اللاجئين أتباع بدعة الأونروا!.
إرادتهم جعل الفلسطينيين شعب الشتات بدل شعب الله المختار، لم تفلح قبل ولا بعد 7 أكتوبر 2023م، فالسنوات العجاف وأعوام الغبن وكل الخمس والسبعين، كل ما فات لم يفت فإن فلسطين ليس لها بديل. وإن أميركا/العم سام ليس نموذجا، النموذج فيتنام، جنوب أفريقيا، تشيلي، الجزائر، ليبيا/المختار، ….إلخ، وقبل وبعد النموذج: فلسطين، ليس لها مثيل، ليس لها بديل، ليس لغو كلام، فالخمس والسبعون من السنين ما خلون، حقائق لا تخرصات، واليوم الشهر يفرط الشهر والعام بعده عام، وبين سنتي 2023/2024م، فلسطين ليس لها بديل.
أنتم، يقول القائل، رومانسيون. ويقول آخر أنتم تجدفون، يقولون وهم يرجفون، كما يحلل المحللون ويتزيدون، يضربون الودع، يخمن المخمن الخبير منهم، وفي كل حال همّ جميعا كما أمس واليوم وغدا، يكرر المكررون الكلام عن الحق والحقوق، أمس واليوم وغدا يفعلون غير ما يقولون، وفي كل واد يهيمون، ومن المهد إلى اللحد، هدفهم السامي محو كل “ساميٍّ” من الوجود، لكن رغم هذا وهذا وغير هذا: فلسطين ليس لها بديل.
* إشارة إلى قصة كريستيان أندرسون الشهيرة: “الملك العاري”.