محمد دربي
(1) سلطتان في عالم افتراضي
كيان سياسي في مُخيلة العالم الافتراضي كانت تتبارى فيه سلطتان إحداهما سياسية والأخرى ثقافية ولم تكونا متجانستان بل متناقضتان ، كلّ سلطة له لها نهجاً متشعباً متطورا يصعب اختراقه والطريق أمامهما كان طويلاً مشقاته لا تُحصى في علاقة المغالبة بفكرة السلطة، فالسلطة السياسية كانت تهيم في بحر مصلحة الذات كما كانت تفتقد لإبسط ادوات استشراف المستقبل كالمتعثر بين الأنقاض لا يعرف أين تقع قدمه ولم يكن في مقدورها تقييم وتحليل المستجدات والمتغيرات التي كانت تمرّ بكيانها الإفتراضي وتعصف به يمنة ويسرى ولم تكمن تدرك أنّ السفن لا تبحر في الصحراء و أنّ الجمال لا تركب البحر، سلطة كانت عاجزة تماماً على أن تجد سبل علمية وعملية لتشخيص واقعها الإفتراضي و تحويله إلى قوة من أجل التقدم و الازدهار.
أما السلطة المثقفة فقد كانت تهيم في وادٍ آخر ولم تكن هي الأخرى تمتلك صورة متماسكة وخلاقة واضحة عن التطورات المتسارعة في فترات متلاحقة لمتابعة المشوار والتي كانت تعصف بنفس الكيان السياسي في عالمه الإفتراضي في ميدان فحص التّأزم السياسي الذي لا ترى فيه أنّه يهمّ الناس، والتخلي شبه الواعي عن التمييز بين الشبهة الدعائية والتحقق العياني من بدايات التحول في سلوكيات المجتمع وانفلات ذئاب النهب الشرس في اشرس نهب في التاريخ الليبي. فلم تطرح هذه السلطة عبر المجال الإفتراضي العام ايما تصورات جديدة سياسية واقتصادية واجتماعية ومعرفية وعلمية تتعلق ببناء “الدولة” وتشكيلها في الذهن المجتمعي وتكوينها الفعلي في عالمها الافتراضي؛ على اعتبار أنْ الدولة للمجتمع هي تسهيل ووسائل الحياة اليومية المعاصرة. صحيح أنّها قدمت أبداعت كثيرة لم تحتل الموقع الجديربها لأنها لا تخلو من المزاجية، والمزاجية ليست ميزة دائماً. لم تكن تمتلك إمكانية التفاعل والتأثير في دراستها ” التهيدية ” عن المجتمع الليبي عبر ” الواقع والتحديات والأفاق ” وبالذات في غياب الوضوح في الدور المجتمعي لهذه الدراسة.
(2) فماذا أنت صانعٌ
للتتخيل أنك أميرٌ أو رئيسٌ أو إمبراطورٌ ، أو ملكٌ ، أو سلطانٌ أو قيصرٌ، وأنّك تمتلك سلطة مطلقة تغذيها نزواتك المستمرة ، فأنت الحاكم بأرمك ، تعطي الأوامر بمعزل عن أيّ فكرة حيوية ورعاياك عليهم السمع والطاعة لكل أمرٍ من أوامرك، لا رحمة لديك لمن يتجرأ بالخروج عن طاعتك أو عصيان أمرك ، أما من خالفك رأياً حتى في أتفه الأمورفمآله السجن ومن حاول التآمر عليك بإنقلاب عسكري رميته بالرصاص الحي أمام رعايك ، بل والموت الجماعي مآل أعضاء ” مجلس قيادة الثورة” المتآمر، ليس هذا وحسب بل تمتلك في حوزتك كلّ شيء في البلد الفسيح : آبار النفط ومفاتيح خزائن البلاد ، ورقاب العباد ، والذهب والفضة ومدّحون يخلعون عليك من الألقاب تلائم مزاجك الفياض ،زدّ على أنّ تحت إمرتك جيش عرمرم مسلح جاهز لحرق كل من يخرج عن طوعك وعن أفكارك وعن وحشك الضاري ، وتحت إشرافك جهاز استخباراتي جاد الإلتزام يفوق في شراسته كل شراسات الاستخبارات العالمية فتكاً وتدميراً لرعايك إن خرجوا للعصيان ضدك أو تهامسوا للسخرية منك.
ولكن قبل النذير:
وعلى مرمى من حجر من بيداء امبراطوريتك هناك بلد آخر يحكمه زعيم طاغية طموحاته تعلو طموحاتك وعنتريته من أشرس العنتريات تفوق كل العنتريات، وله سلطة مطلقة أشدّ سلطوية من سلطويتك، وله أتباع مخلصين يفدونه بـ ” الروح والدم”، وذات يومٍ وأنت في نشوة الغبطة والهيمان في عابدة ذاتك، أتاك تقرير عاجل من استخباراتك ينبهك إلى أن الأمبراطور المجاور ذو الجبروت والأطماع وحب التوسع والهيمنة يسعى إلى الزحف بجيشه الكبير لإجتياح أراضيك وإحتلال مملكتك. فماذ أنت صانع؟
لكن أوانك لم يحن بعد:
فأنت كنت قد أكتسبت كل أنواع البراعة في الغش والتزوير والبلعطة، فأنت مخادعٌ مع رعايك، تخيفهم طوال الوقت وتشتمهم وتنعتهم بالجرذان وتتهمهم بالهلوسة، تكذب عليهم المرات الكثيرة والكثيرة، تعيد الكذب بنفس مطمئنة، لا تلتزم بوعدٍ تعد به رعاياك وتحط من منزلتهم وفي صدرك برد التعسف، وتعلمت كيف تكون مُتجبراً ودموياً، كلّ اهتمامك الحفاظ على سلطتك وقوتك وتوريثها لأنجالك من بعدك ولأنجالهم من بعدهم، تعيش خارج عن الأعراف والقوانين تفعل ما شئت من الأفعال الكارثية كأنك تقطن مصحة عقلية.
ولكن تريث حتى آخر لحظة فأنت:
نسيت شيئاً واحداً مهماً وحيوياً هو أنك لست الحاكم السلطوي في المنطقة، ونسيت بعد أيامٍ قليلة ستجتاح أراضيك الواسعة فلول جيش يقوده أحمق أخرق أكثر منك بطشاً وجبروتاً.
فماذا أنت صانعٌ؟