علي باني
سبب نشاطه غير العادي ذلك الصباح، عِلمه بقربِ زيارة (الدوتشي)، حدثٌ أخذ جُلّ وقت اجتماع عائلة (أنور) الأسبوعي، عادة فرضها كبير أخوته نقلاً عن والده، رآها سبب تفوقهم على جيرانهم الذين يظهرون الودّ لبعضهم البعض خلاف ما تُخفي صدورهم، وهو ما يبعث السرور في العائلة فيبتسمون وكأنهم سمعوا همسات بعضهم البعض وهي تصفهم:
– حزمة كِرناف…
اللقاء الأسبوعي مناسبة لتوزيع الأدوار، لكنها أدوار لا تَحيد عن (بروتوكول) الجد (أنور)، والذي بحكم تكوينه العسكري يرى في نفسه قدرته على استشراف المستقبل، بل يرى في هذه الأرض فرصةً لن يجدها في بقعة أخرى.
أكثرُ ما يُحبّ من عادات ساكني أرض (لوتوفاجي) حُبّهم للغرباء، أو لنقل كل من يجهلون تاريخه، بينما يعايرون بعضهم البعض بماضٍ تولّي، أعطى ذلك فرصة ذهبية لكبار الحومة، فهم يحددون الشريف من الوضيع، بناءً على تاريخٍ سمعوه أو عاصروه، نقطة ضعفهم أنهم استبدلوا الحاضر بالذكريات فحلّ كلامهم مَوضع صمتهم.
ما تبرعوا به من معلومات وبحدسه الذي ساعده في رحلته من أجل البقاء سابقاً، عرف أن الأمر يستلزم شيئاً من التخطيط يعطيه المبادرة لكسب الوقت والتفوق، تفتّق ذهنه عن فكرة كتابة خارطة – كما يسميها- وبعد محاولات عدة احتفظ منها بسبع نقاط فقط.
أعطاه الرقم سبعة شعوراً بالراحة وبعضاً من السلام الداخلي الذي طالما أفتقده، منذ أن توقف عن تناول شرب (الخشخاش) مغليّاً بدل الشاي، أقنعَ نفسه أيضاً أيضاً أنّها مباركةً روحيّة لا يعرف مصدرها.
احتفظت العائلة بما خطت يداه، حَرصت أن يَرضَعهُ الأخوة من حليب الأمهات ليكون جزءاً من خلاياهم، كانت ورقة واحدة، لا يظهر من تاريخها الا كلمة هجرية ورقمٌ لم يعد واضحا منه سوى (..١٣ (كُتبَ عليها عبارات بين الفصحى والعامية، تسبقها نجمة كانت تُعرف بين العامة “خاتم سيدنا سليمان”:
* لازم واحد من العيلة في الحكومة
* لازم شري سواني
* الغنم نتشاركوا مع راعي..
* دِسّ الفِجرة والذهب..
* الصغار قراية طلياني وعربي،
* نسيب الاولاد.. العيلة، المنطقة،
* قلل الكلام والخُلطة مع العرب..
ثمّ بعضاً من الكلمات المبُهمة، قد تكون بلغة أخرى أو أنّها جزء من تميمة تحمي من الحسد والعين..
كانت تلك خطة لمستقبل العائلة..
حظّه أن اختارته العائلة ليكون قريباً من الحكومة، وإن كانت بدايته كمذيع مُتواضعة، لكن بمرور الأيام أحبّها، كَرهاً أولاً ثم طَوعاً بعد أن تناهى الى سمعه إعجاب (بالبو) بصوته المُميّز، أمرٌ ليس بالهيّن، فالأخير رفيعُ الذوق؛ يعشق الفنّ والجمال والنساء أو هكذا قيل.
أعجابٌ جعله الأبن المُفضّل لوالده، يُعاينه كلّ صباح للتأكد من مظهرهِ وهندامه، خُصوصا لمعةَ حذائه، وربطة عنقه، أمران يقول أنّهما يُحددان أناقته من عَدمِها، أخبرتهُ بها نظرة مُديره الإيطالي الفَاحصة لهُ من أسفل الى أعلى، وهو يُحيّه بودٍ غَامرٍ:
– بونجورنو سنيور سكَاليّا…
شري: شراء
دِسّ: اكنز،
فِجرة: فضّة