الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
احتضنت دار محمود بي بالمدينة القديمة طرابلس مساء يوم الأربعاء 2 من الشهر الجاري أمسية خاصة نظمتها وأشرفت عليها مؤسسة آريتي للثقافة والفنون، وذلك في إطار احتفالية إطلاق مشروع كتاب(ألبوم ليبيا)، وقد تخللت الأمسية التي قدمتها الإعلامية “فريدة طريبشان” مشاركة ثلة من اللذين كانت لهم مساهمات في كتاب (ألبوم ليبيا) حيث شاركوا الحضور بقراءة قصص صورهم وسبروا من أغوار الذاكرة محطات شكلت لهم في مرحلة ما حالة من الشجن والحنين فجسّرت بينهم وبين العودة مرة أخرى لتلك الصورة المشحونة بنسائم الطفولة والصبا والشباب، بدوره أعرب أعرب الدكتور “خالد مطاوع” في كلمته الافتتاحية عن بالغ امتنانه وتقديره لزملائه في المشروع وتعاونهم منذ أن كان المشروع مجرد فكرة تطرق الأذهان، موضحا بأن إرهاصات العمل على تنفيذ المشروع بدأت في ربيع عام 2020م، مضيفا بالقول : لقد كانت هنالك مراسلات كثيرة من عدد من الأدباء والمثقفين والفنانين الليبيين لتصل اللائحة إلى حوالي 350 مرشحا مشيرا بأن فكرة الكتاب مؤادها أنها تجمع صورا مختلفة من حيوات الناس وتفاصيلهم العادية من جعبة الذكريات، وهذه الصور تجمع في جوهرها قصة في حد ذاتها على اختلاف التفاوت الطبقي والمناطقي والجغرافي والثقافي للمعنيين بالصور، مؤكدا في آن الوقت أن الصور الـ85 الموجودة بألبوم ليبيا تقدم فكرة عن تاريخ الليبيين وحياتهم العادية وعن مكونات حياتهم الشخصية وآمالهم وتاريخهم، وبالتالي الهدف هو صناعة تاريخ موازي وآخر من الناس، ولفت الدكتور مطاوع بأن التعريف بليبيا والليبيين لطالما ارتبط بقرار وتعريف سياسي محض الأمر الذي دعانا لمنح الفرصة لليبيين كأشخاص يسردون لنا جزء من حيواتهم حتى يتكوّن لدينا نسيج تاريخي سردي ليبي عن حكاية أناس عاشوا في هذا المكان كما البشر الآخرين.
من بدايات التأسيس الثقافي
فيما استهل الشاعر “عاشور الطويبي” طرق أبواب الذاكرة واستعادة مفاتيح الزمن من خلال الأيام الأوئل أو مثلما سماها في سرديته (من بدايات التأسيس الثقافي) فلم يُذع سرا افتتانه بأن يكون للظل شارع ممتد كشارع الظل بطرابلس حيث كانت منازله الوسيعة أوان ذاك الزمن يسكنها أبناء الطبقة البورجوازية الجدد تتوسطها الأشجار الوارفة التي تُطلق شذى روائحها الخلابة حسب وصفه، ثم يواصل الطويبي نحته لأيقونة سرده ليقف أمام محطة هامة يرصد فيها معرفته لأول مرة مع الشاعر الراحل “محمد الفقيه صالح” آواخر ستينيات القرن المنصرم على خلفية تسجيله بالقسم العلمي والشاعر الراحل بالقسم الأدبي إبّان الدراسة الثانوية، يحاول الطويبي إعادة رسم المشهد بثرائه ولو كان مشوشا على طلبة الثانوية العامة وقتذاك متحدثا عن دور رواد الحركة الثقافية والأدبية ومدى تأثيرهم في الحراك الثقافي الليبي بكل خطوطه وألوانه، وانعاكس هذا التأثير الحيوي على جيلهم الذي كان لا يمل ولا يشبع من المواكبة والمتابعة.
فسيفساء عين الفرس
بينما يروي الأديب “إبراهيم الإمام” (فسيفساء عين الفرس) التي يراها المكان الوحيد الذي كان حريصا على أن تستأثر به عيناه فور عودته لواحته غدامس، ويصف الإمام هذا المكان بالنبع الخالد باعتباره أصل وسبب وجود واستمرارية الواحة لمواجهة قسوة الرمال المحيطة بها من كل اتجاه، ويتعامل الإمام مع هذا النبع بمنتهى الخشوع والتفكّر ففي الوقت الذي يحلو للآخرين السباحة في مياهه تتبلور غاية الإمام في الغوص في أعماقه، ويسرح الإمام بعين خياله بعيدا تجاه تلك القناة كونها قد شكلت جذور الحضارة وعصب حياتها الحقيقي، لكنّ تجليات هذا التأمل السامي يقطعه تصفيق وصفير وصخب يخرج الإمام من عالمه.
أغلى ورقة حملتها في حياتي
من جانبه يتحدث الكاتب “إبراهيم عثمونة” عن (أغلى ورقة حملتها في حياتي) بدأت بالهتاف للعقيد القذافي وسط بحر من الهتّافين والمؤيدين، ومن هذه الضوضاء الشعبوية ابتدع عثمونة هتافات جديدة، وكان هدفه الأساسي يتمثل في إيصال ورقة إلى يد “معمر القذافي” فلابد أن يسلمها له بعدما قضى نحو ساعة كاملة في إعدادها بمعية أخته، بدا عثمونة حسب سرده هموما بفكرة تسليم ورقته للعقيد بيد أن ورقته كادت أن تسقط من يده بيد أن الحشد جعله يتراجع إلى الوراء أمام الأقدام المتدافعة تجاه العقيد، ويخبرنا عثمونة عن مضمون ما حملته ورقته قائلا : كانت الورقة تحمل أسماء لثلاثة إخوة لي أخذتهم المخابرات وقتها وأودعتهم السجن، صرخت وأنا أقفز فوقهم يقصد الحشد الجماهيري لكن الهتاف العالي حال دون سماع صوتي.
ربّاي العناقيد
واهتم الكاتب الصحفي “زكريا العنقودي” بسرد آواصر حميميته مع النخلة في (ربّاي العناقيد) متحدثا عن الفسلة التي غرسها جده قديما ليضيفها لمجموع نخلات سواني شارع البي التي كان لجده دور في غرسها ونثرها بارجاء المنطقة لاسيما في أراضيه، ويصف العنقودي قائلا : بأن النخلة لم تخذل اهتمام جده الشديد بها فنمت بما سر خاطره وصارت مصدر فخاره، ويضيف العنقودي أنه عند آواخر الخمسينيات والستينيات تحولت السواني إلى شوارع وأزقة ومربعات سكنية هي البيوت التي نسكنها الآن، معبرا عن شجنه جراء اختفاء وتواري كل تلك النخلات باستثناء نخلة واحدة قال العنقودي أنها عادت أخيرا لابن أخته وزوج ابنته الوحيدة والده.
الخالة حليمة
كما ضمّت الباحثة والكاتبة “فاطمة غندور” سرديتها المعنونة (الخالة حليمة) بزخم حكائي دافئ مرتكزه علاقة غندور بخالتها حليمة التي كانت الأقرب إلى قلب أمها فتروي غندور بأن أطفال البيت الستة تفتّحت أعينهم على وجودها ببيتهم، وعلى جلساتها الحميمة مع والدتها، وكان الدفئ يحقق ذروتها حينما تتحلّق العائلة حول عالة الشاهي، تتحدث غندور بانتصار لذكرى الماضي عن أناقة خالتها وألوان فساتينها الزاهية وتذكر قائلا : إن أكثر ما قربني إليها ذلك البراح والمرونة في موقفها ورأيها فتناصرني حتى في زلاتي، وتستحضر غندوة من خلال صورتها إصرار خالتها حليمة على مشاركتها فرحتها بنيلها درجة الماجستير من جامعة طرابلس وابتهاجهم واحتفائها بها بتحضير الحلويات .
نحن النساء قويات
في المقابل تشارك الشاعرة والإذاعية “مريم سلامة” برواية وتوثيق تجربة عملها في الإرشاد السياحي بـ(نحن النساء قويات) ما بين عام 1990 وحتى عام 2011 عبر صورة تجمعها بفوج سياحي من اليابان واصفة بأن هذه الصورة تحتفظ بسر خاص مازال يبعث في روحها نشوة الخروج من الشرنقة، وتبين الصورة وجود وفد سياسي ياباني عقب إنهاء جولة لهم في طوابق متحف السراي الحمراء وأزقة المدينة القديمة بطرابلس بمنازلها، وتتحدث سلامة عن أنها لم تكتشف سر هذه الصورة فالسر حسب قولها يكمن في المرأة التي ترتدي معطفا وتضع نظارة سوداء تحجب به عيناها فهي حاملة للسر، وهذه المرأة يتضح لاحقا بأنها عالمة فيزياء تدرك معنى التكريس والمنافسة في دولة مثل اليابان فجهدها جعلها تتبوأ منصب رئيس جمعية علماء الفيزياء، وروت سلامة أن هذه المرأة خصتها بالاحتفاء والتقدير طوال الجولة وظلت ترفع يديها في قبضتين مرددة نحن نساء قويات.
الذهاب للمصور مرتين
ويحدثنا الكاتب والإعلامي “يونس الفنادي” عن قصة صورة(الذهاب للمصور مرتين) فيضيء على خصائص والده وأطوار حياته كفلاح يمتهن الفلاحة والزراعة في أرض لا يملكها بل يعمرها لعائلة من أشراف حب العمروص بسوق الجمعة، ويواصل الفنادي عزف سرده أن والده تزوج وهو بعد في عمر الثانية والعشرين وفق عقد الزواج الذي لازالت العائلة تحتفظ في خزانتها بنسخة منه حتى اليوم، ويتحدث الفنادي عن بساطة وتواضع عرس والده ووالدته، وهذه الذكرى القديمة حسب رواية الفنادي بقت حاضرة في الأذهان في بيتهم، وداخل غرفة أبيه تحديدا من خلال بعض الصور القديمة المعلقة بإطارات على الحائط.
أربعة من العطاش
أما الروائي والشاعر “يوسف إبراهيم” فيحدثنا عن صورته المعنونة (أربعة من العطاش)، وهو يرمي بها إلى أربعة أفراد عطشى يتأملون الماء الوفير على خلفية مغادرتهم مدينتهم في ليبيا التي كانت المياه تأتيها يوما واحدا كل بضعة أشهر، وتظهر الصورة مشهدا بانوراميا لمدينة مانستشر الإنجليزية حيث استقر الروائي برفقة عقيلته وطفليه هناك مدة من الزمن، وحاول الروائي في سرديته أن يجسد وجها يقارب بها النقيضين ويضعهما على ميزان المقايسة فهو الذي لم يشفى بعد من أصوات القذائف التي كانت تغيم على المشهد بليبيا عام 2014، فلم يخرج من معاناته إلا بعد ستة أشهر من النظر وتأمل الماء والخضرة والوجوه المبتسمة دون سبب.