المقالة

ليبيا بلدُ بدون دولة

ليبيا
ليبيا

حَكي

ماذا يعني أن لا يكون لبلد ما من دولة في هذا القرن؟

هذا السؤال يحيل إلى قرينه: لماذا نحن الليبيون فشلنا في بناء ” دولة عصرية حديثة مدنية” منذ استقلال البلاد عام 1951 وإلى الآن؟ أخذاً في الاعتبار أنْ الدولة ليست هي الحكومات!

على اعتبار أنّ ” الدولة” مبدئياً تمثل المجال الواسع والممكن لتشكيل وتنظيم الوجود الإنساني الاجتماعي للقدرة على ممارسة الفعل السياسي استناداً على رؤية دستورية شاملة تؤكد على سيادة القانون واحترامه والعمل به. ولكي تكون الدولة ” حديثة ومدنية” لابد من تحقق شرط اساسي فيها: المواطنة المتساوية.

لاريب فثمة من أسباب كثيرة عرقلت امكانية بناء دولة قوية مستقرة ومزدهرة تستمر من جيل إلى آخر كما حدث في بلدان أخرى بعد الحرب العالمية الثانية والتي شرعت في بناء دولها منذ بداية الخمسينات ونجحت في ذلك.

 الدولة ليست غنيمة:

ساعة انطلاق ” ثورة 17 فبرير “، والبدء في كسر حاجز الخوف والرهبة ظنّ بعض الناس بأنّ الابواب فتحت لهم للشروع في البدء في صنع مستقبلهم وصوغ البلد سياسياً على نحو عصري يواكب هذا الزمن. خاب هذا الظّن واستمر البلد بدون دولة. ومن الواضح الجلي إنّ من تصدر لإدارة البلد ظهيرة سقوط النظام السابق عبر المجلس والحكومة والمؤتمر (البرلمان) كان ينقصهم التروي والحكمة وبعد النظر ولم يكن لهم القدرة الكافية فنياً وسياسياً وأمنياً على إدارة الشأن العام ضمن الإسراع في التعجيل بالاهتمام بحسم المسألة الأمنية والتوجه نحو الاهتمام بتشكيل المؤسسات الآنية لتقديم الخدمات للناس. كان التوجه لدى هذه السلطة ضرب عشواء وتجاهل لواقع حال البلد والاهتمام بتقسيم المغانم وتوزيع المناصب. لم تهتم بالأولويات التي كانت تستوجبها الظروف حينها بقدر اهتمامها باكتساب النفوذ والمناصب والمال والمصلحة الأنانية.

ولكن ما الحاجة إلى الدولة؟:

الدولة هلي الأداة التي يجب أن يكون لها القدرة على أنْ تجعل المجتمع ممكناً لكي ينتج ويحدّ من تغول السلطة والاستبداد والأنانية المفرطة. والمجتمع الممكن أي الذي يعيد انتاج ذاته دائماً مهمته منوطة بأنْ يجعل للدولة استمرارية تراكمية من جيل إلى آخر. هذه الأداة أيّ الدولة هي نظام سياسي متماسك يستند على الدستور والقوانين والمؤسسات التي تتمتع بحق اتخاذ القرارات العامة من خلال اجراءات هندسة اجتماعية مدروسة ومعقولة. الاحتياج إلى الدولة ينطلق من أهميتها على أنّها هي المؤسسة العليا التي تمنع من أن يحتكر السلطة قلة من الناس ولزمن طويل لتأمين مصالحهم الذاتية.

المجتمع أولا في بماء الدولة:

فمثلاً حقبة الاستقلال الليبية لم تجعل من المجتمع الليبي ممكناً، أيّ مجتمعاً عصرياً متطوراً مما جعل المجتمع ذاته عاجزاً على امكانية حفظ استمرار الدولة وذلك لأنّه لم يكن مُسيسأ من أجل أهمية الانخراط في بناء الدولة. طريقة تفكير المجتمع الليبي ومنذ تلك الحقبة وحتى هذا الأيام غير قادرة على تأسيس دولة عصرية حديثة لغياب المعرفة الشاملة واستمرار الجهل وتأصيله وهيمنة الأنا الفردية العشائرية وكثير من الحجب الخادعة الأخرى وعدم تواجد علاقات اجتماعية حرّة، علاقات انسانية وعادلة تنمو وتزدهر داخل مجال سياسي وثقافي عام ومفتوح.

الدوران على الفاضي:

 فالنشاط السياسي الهادف هو الذي يعطي للحرية معنى وهو الذي يبني مشروعات سياسية ومعرفية تساهم في العمل على تجاوز عصبية البعد التقليدي القبلي والعشائري والفئوي وبناء صرح المواطنة التوافقية وأسس التعيش المشترك، أما تمجيد الأقران والتماهي معهم لا تبني دولة ولا تصلح أن تكون نقطة انطلاق نحو بناء الدولة يمكنها أن تبدع في صياغة قصائد المديح والافتخار في حقبة زمنية لا ينفعها حتى الترقيع..

مقالات ذات علاقة

الشهيد المزيف

إبراهيم بن عثمونة

المطربون الشباب بين المحاربة والإهمال

إنتصار بوراوي

مصلحة الكل تكمن في مصلحة الكل ولا تكمن في مصلحة الجزء بالأساس

علي بوخريص

اترك تعليق