شعر

ندخلها بالقٌماط ونغادرها في كفن

من أعمال التشكيلية شفاء سالم
من أعمال التشكيلية شفاء سالم

وأنا أهرم طارت أوهامي ومخاوفي فجاءة
كأن قطا قفز من صدري وأجفلها
مات الحنين في قلبي وماتت الأماني
لم تبق إلا الذكريات فراشات
تحوم على زهور حياتي
أسند نهاري حين يتمشى في الطرقات
وأهدهد ليلي الطويل لأنام بلا أحلام
ما عدت حريصا على المزيد من الأصدقاء
أكتفيت بمن بقت رجلاه في الركاب
ولم يعد يسكرني المديج ولا الثناء
ولا يغضبني التجاهل والازدراء
ولا أخشى من مباغتة السهام
مذ صار صدري غابة من النصال
أكتفيت بظلي ليؤنسني
وأفتقده حين تغيب شمس الشتاء
صارت أناملي تتكلم أكثر من شفتي
أنقر بأصابعي ما يختلج في العقل والفؤاد
وأغرق في صمت كثيف مثل حجر في قاع بحر
ضيعت عمري في الثرثرة
ولم أجد صديقا أوفى من الصمت
أكتفيت من متعي الكثيرة بنزهاتي القصيرة
وإطعام الحمام
صرت أحلق معه عاليا فأرى الدنيا حقيرة وتافهة
فعفتها مثلما يعاف الصقر صيد الفئران
لا الموت أخشى ولا الفقر ولا المرض
مذ أن نازلتها ونازلتني أسقامي
وما عاد يجلدني الندم مذ طلقته وطلقني الطمع
تعودت على كل المصائب حتى ألفتها وألفتني
وحين اختفى من حولي الزحام لم يبق معي إلا يتمي
رحل معظم رفاق دربي
ولم يبق من اصدقاء الطفولة الا القليل
باغتني صغيرا وتربص لي حين صار العكاز في يدي
كأنني لا أشيخ وإنما أعود القهقرى إلى مهدي
هذه المرة سأتبناك يا يتمي
وكأنك ولدي الذي لم ألد
ستعود معي إلى صدر أمي
أو تمضي معي إلى ظلمة اللحد
يتيم كما كنت يتيما
لا كأس ولا نديم ولا شراب
هذه البلاد ليست بلادي
وتلك البلاد ليست بلاد
قارعت الطغاة حتى سقطوا
وحصدت بعدهم السراب
تشابهت الأيام
وزمني بغل حرون
لا يحركه مهماز ولا يستجيب للجام
أطلت له الحبل ليرعى في الهضاب وفي الوهاد
وإذ يأوب في المساء أدرك أن يوما آخر انقضى
فاقلب ساعة الرمل وتسقط بتلة أخرى من زهرة العمر
الزمن قاتل مأجور يمنحك كل شيء في أول العمر
ثم يسترد ما منح أنا سعيد أنه صار حرون
دنيا عجيبة محروسة بالتفاهة والنفاق والكذب
لا أحد غادرها وعاد ليخبرنا أنها تفضي
إلى الفردوس أو إلى العدم
دنيا من الأساطير ندخلها بالقٌماط
ونغادرها بالكفن

مقالات ذات علاقة

سيلفي

منيرة نصيب

إلى الخائنة صديقة.. النار حتى آخر الجمر..

مفتاح البركي

صباح الخير

خلود الفلاح

اترك تعليق