المقالة

الرسالة التي انتظرتها لإثنين وعشرين عام

محمد السبوعي | تونس

الشاعر مفتاح العماري
الشاعر مفتاح العماري

وأخيرا وصلت رسالة أخي وصديقي مفتاح العماري المثخن بنصوصه وألمه.. بلغت رسالة الشاعر أخيرا لتذكّرني بأوجاع الشعراء الأبدية وغوايتهم المقدسة التي جعلت الله يفردهم بآية الغواية في كتابه العزيز.. والشعراء يتبعهم الغاوون.. ألم ترهم في كل وادي يهيمون.. يقولون ما لا يفعلون…

وكلما ازدادت غواية الشاعر كلما ازداد عذابه وألمه. كنت أزور الشاعر الميداني بن صالح في أيام مرضه. كان يتحدث إلى الله مباشرة. أما أولاد أحمد فكان يسأل عنّي أيام إقامته بالمستشفى العسكري.. ولم أذهب إلى زيارته لأنني قد أرتكب فعلا موحشا ضد جميع الآلهة والديانات.. وكنت سأنظر الى السماء وأقول: لقد انتصرت يا الله ولكن الشعراء ينافسونك في الخلود يا الله.. ومن يصدق إن هومير  بإلياذته وأوديسته قد مات.. أو طاغور أو البحتري أو عمرو ابن كلثوم. الشعراء لا يموتون يا الله الشعراء لا يموتون…

جاءت الرسالة أخيرا.. طوت الصحراء حتى جاءتني بخبر فزعت فيه بآمالي إلى السخرية. نعم تعلّمت باكرا السخرية من الغياب والمرض والموت.. فقد غابت جدّتي لأمي حفصة وأنا صغير جدا.. كنت أضنها تمزح معي كعادتها وكانت تمزح بالفعل لأنني ما نسيت وجهها يوما رغم انها تركتني في سنّ مبكرة. كانت عائشة أمي تقبع بأحد المستشفيات وكانت أمها تعتني بي.. لقد تسللت حشرة إلى أذني أذاقتني شديد الألم.. ولم يكن ينفع معها غير ما تضعه جدّتي من تبغ مطحون نسمّيه في أرياف العلا (نفّة).. نعم نفّة. وعندما أخذتني خالتي هنيّة لزيارة أمّي في المستشفى كنت سعيدا لأنني سأركب الحافلة وسررت كثيرا بالغلال والفواكه التي ادخرتها لي أمي من حصّة طعامها بالمستشفى. كنت سعيدا جدا جدا حدّ الموت…

ولا خوف على صديقي مفتاح ولا حزن على شاعر كتب بقلبه.. فمن الطبيعي أن يتعب هذا القلب.. والقلب في قفص الصدر لا يتوقف عن الخفقان بأجنحة الحلم والهذيان.. والقلب أعزك الله قطعة من الجسد الذي سيبلى حتما فلم أسمع عن أحد فقد قلبه.. قد يفقد عقله أو ساقه.. أو يده ويستمرّ في الحياة بصخبها ومزاجها العكر. فقبل اختراع البوصلة كان القلب بوصلتهم ودليلهم في أعالي البحار…

مقالات ذات علاقة

أوراق مبعثرة 6: أيها الناس : هل نحن مسلمون؟

سعيد العريبي

انشودة مخمل الكلمات

المشرف العام

الخطر الظاهر

محمد دربي

اترك تعليق