يوما بعد يوم، تصبح منصة فيسبوك في ليبيا الأقوى تأثيرا في المشهد السياسي سواء في مساءلة حصيلة الحكومة أو في دفعها لتبني سياسات جديدة. لكن هذا التأثير يواجه محاولات حثيثة من السلطة لـ «تقنين» الحرية بتهم جنائية.
أتاح الفضاء الرقمي حرية كبيرة في التعبير عن الرأي دون قيد أو شرط. وهو يتوسع بشكل كبير، فمن المواقع والمدونات إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي استخدمت عام 2011، إبان الربيع العربي في نقل ما يجري في الشارع أو ما عرف بمصطلح “صحافة المواطن” بعيدا عن الإعلام الرسمي، ومنذ ذلك الوقت تحظى هذه المواقع باهتمام كبير.
في ليبيا مثلا، أشار استطلاع أجرته المنصة الليبية أنير المتخصصة في التوعية في شؤون الإنترنت الآمن والتحقق من الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة إلى أن حوالي 57 بالمئة من المشاركين يستخدمون منصتي “الفيسبوك” و”الإنستغرام” كمصدرين أساسيين لمتابعة الأخبار.
يطرح هذا التقرير العديد من التساؤلات حول منصة “الفيسبوك” ومدى تأثيرها في قيادة الرأي العام الليبي وتشكيله، ولماذا عجزت وسائل الإعلام كالتلفزيون والصحافة المكتوبة عن بناء الثقة مع المواطن ومده بحقيقة ما يجري بحيادية؟ ولماذا يعتبر البعض أن الفيسبوك تحول إلى منصة لبث خطاب الكراهية وإشعال الحروب على الأرض؟ ضمن هذه الدينامية، أقر البرلمان الليبي قبل حوالي سنة قانون الجرائم الإلكترونية، الذي وصف بـ “القانون القمعي” لأنه يمنح الجهات القضائية سلطة كبيرة للحد من حرية التعبير في الفضاء الرقمي.
الأمر الذي دفع المنظمات الحقوقية لمطالبة البرلمان بسرعة سحب القانون لاحتوائه مصطلحات فضفاضة وعقوبات تتعارض مع المادة رقم 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن “لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء في شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”. بالإضافة إلى أن الإعلان الدستوري الليبي لسنة 2011، ينص على التزام الدولة بضمان حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والنشر.
ويتضمن قانون الجرائم الإلكترونية عددا من المواد التي تشكل خطرا على الحقوق والحريات. فالمادة رقم 5 نصت على أن المواقع الإلكترونية وأنظمة المعلومات الرقمية ملك لأصحابها، ولا يجوز الدخول إليها دون موافقة صريحة من مالكها.
كما تمنح المادة رقم 7 السلطات الليبية حق الرقابة الشاملة على كل ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي و”أي نظام تقني آخر”، بالإضافة إلى تمكين الهيئة الوطنية لسلامة وأمن المعلومات وهي هيئة إدارية تقنية تابعة للحكومة- من حجب المواقع والمحتوى بدون أحكام قضائية، تحت مبرر شبهة إثارة النعرات العنصرية أو الجهوية أو الأفكار الدينية أو المذهبية المتطرفة التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره. بالإضافة إلى ذلك، يهدد القانون حرية النشر في المادة رقم 9.
ويعاقب نفس القانون، بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من “مزج أو ركب بغير تصريح مكتوب أو إلكتروني من صاحب الشأن صوتا أو صورة لأحد الأشخاص باستخدام شبكة المعلومات الدولية أو بأي وسيلة إلكترونية أخرى بقصد الإضرار بالآخرين”. ويثير القلق أن هذه المادة لا تقدم استثناءات فيما يتعلق بالشخصيات العامة أو السياسية، الأمر الذي قد يقيد حرية التعبير.
أما المادة رقم 35 من القانون، فتكمن فيها خطورة القانون وصبغته القمعية، إذ تقضي بحبس “كل من علم بارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أو بالشروع فيها”.
كما يسمح القانون، بحسب المادة رقم 37، بالسجن لمدة قد تصل إلى 15 عاما وغرامة مالية باهظة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ليبي “لكل من بث إشاعة أو نشر معلومات أو بيانات تهدد الأمن أو السلامة العامة في الدولة أو أي دولة أخرى.
وصل مرحلة متقدمة والتزييف بات أكثر تعقيدا ويهدد المجتمعات وينبغي على الصحفيين ووسائل الإعلام والمنظمات التعامل معه بشكل أكثر جدية، وأن المكون الأساسي في التضليل هو التلاعب بالمعلومات عن طريق حسابات مزيفة موجهة خارجيا وفي العادة تظهر كحسابات لمواطنين من البلد. وبالتالي فإن التوعية يمكن أن تحدث فرقا في محاربة اضطراب المعلومات، إضافة أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة بشكل أكبر، ووجود قانون واضح للجرائم الالكترونية قد يساهم في الحل.
هذا الرأي تتفق معه أيضا الصحفية نورا الجربي التي تقول “إن فيسبوك أصبح أداة لتضليل الرأي العام وتأجيجه من خلال تضخيم المعلومات وتحريفها وحتى اختلاقها من الأساس”.
كما أن الدكتور عادل المزوغي، رئيس قسم الصحافة بجامعة الزيتونة الليبية يبرز أن الفيسبوك تحديدا في بلد مثل ليبيا له تأثير في رسم السياسات العامة للحكومات المتعاقبة حيث تأخذ بعين الاعتبار مداولات منصات التواصل الاجتماعي وتركز على الموضوعات الأكثر تداولا وعلى ضوئها تتخذ التدابير والقرارات التي قد لا تكون مناسبة. ويرى المزوغي أن مجريات الفيسبوك وأغلب وسائل التواصل الاجتماعي هي آراء وأفكار فضفاضة غير مقننة مستنبطة من الرأي العام فحسب، من غير المفترض أن تبني الحكومات عليها وتتخذ القرارات مباشرة من خلالها، للأسف في ليبيا من السهل جدا أن تغير الحكومة قرارات صائبة ومدروسة لمجرد أن هناك حملة فيسبوكية ضدها والعكس صحيح”.
نقاش تأثير الفيسبوك على وسائل الإعلام، كان دائما مثار نقاش بين الصحفيين الليبيين، حيث يعتبر الصحفي حسام الطير، مدير شبكة أصوات للإعلام، أن الفيسبوك استخدم كأداة للحرب من خدل إنشاء صفحات افتراضية لمحاربة معارضيهم سواء بالكذب أو بالسب أو بالتشهير أو بالدعوة للعنف. وبالتالي تنوعت طرق وقوالب نشر خطاب الكراهية من مناشير وصور وفيديوهات وتسجيلات صوتية يتم التدخل فيها مما يفقدها المصداقية والمهنية.
ليس هناك من سبل لمحاربة ذلك حسب الطير سوى التحقق من الأخبار الزائفة بإرسال روابط المناشير التي تحتوي على الأخبار الزائفة إلى المنصات الخاصة بالتحقق. بالإضافة إلى الاعتماد على الصفحات الموثقة والرسمية أثناء تلقف الأخبار والمعلومات.
مجلة الصحافة | العدد (27) السنة السابعة خريف 2022م.