إبراهيم خيراني | الجزائر
إنّ لكلّ أمّة تراثها الأدبي الحضاري الذي تستند عليه، وتسعى في كلّ مناسبة إلى إحيائه وتمجيده، عبر الاحتفاء بأبرز المبدعين وسيرهم، ونصب التماثيل لهم، وإقامة ملتقيات ومؤتمرات حول أعمالهم، بل إنّ الأمر لا يتوقّف هنا، ويتعدّاه ببعض المتعصّبين، إلى محاولة إحياء أفكار أدبائهم وبثّها في المجتمعات المعاصرة.
غير أنّ الأمر مختلف مع الأدب العربي؛ إذ صار زجاجيا /آنيا، وأهملت أعمال السّابقين، بل وحتّى بعض الأعمال المعاصرة التّي كان يتوقّع لها أن تخلد وتصير أدبا رفيعا سرعان ما تطوى وينساها القرّاء والنّاشرون، لتحلّ محلّها أعمال جديدة، ليصبح تفكير القارئ العربي مماثلا لتقاليد الجوائز؛ التي تحتفي في كل عام بعمل، سواء عبر الترجمة أو الإشهار والإعلام، وجلسات البيع بالتوقيع، ثمّ سرعان ما ينسى ويترك المجال للفائز القادم. إذ صار القرّاء يحتفون بالعمل لمدّة قصيرة؛ خاصّة أولئك المهووسين بتقييم الأعمال على الڨود ريدز، والساعون دوما لأن يكونوا من القراء الأوائل للعمل. أمّا الأعمال السابقة التي مات أصحابها فلم تعد تهمّ أحدا سوى دارسي النّقد.
لقد صار القارئ العربي قارئا جمعيا؛ فالكثير من القراء يتّفقون في مواقع التواصل الاجتماعي على إبداء انطباعهم حول عمل ما، يشترونه معا، ويقرؤونه معا، ثمّ يهجرونه معا، كأنّما يقودهم قائد. وخير مثال على ذلك؛ احتفاء قرّاء الأجيال السّابقة بأعمال؛ غسّان كنفاني، والطيب صالح، وحنا نينة، وعبد الرحنان منيف، ورضوى عاشور، ونجيب محفوظ، غير أنّنا نجد اليوم بأنّهم قد طمسوا وحلّت محلّهم أيماء أخرى طارئة؛ كواسيني الأعرج، وأحلام مستغانمي، وخولة حمدي، وحنان لاشين، وعمرو عبد الحميد، وأيمن العتوم.
وحين نجري مقارنة بسيطة بين الأدب العربي، والآداب الغربية؛ نجد بأنّ الأعمال الإبداعية في الغرب تنتشر بعد وفاة صاحبها وتباع منها الملايين، عكس الأعمال العربية التي تنسى في حياة المؤلّف، وينسى المؤلّف بعد موته.
إنّ عدم استمرار الأعمال الإبداعية العربيّة- وتحديدا الرّواية- في البزوغ راجع أساسا إلى أمرين؛ أوّلهما تفكير القارئ؛ الذي ينحو دائما إلى قراءة الطارئ من الأعمال، وثانيهما سياسة النّشر؛ القائمة على البحث عن الفائزين بالجوائز وإهمال الأقدمين.
إنّ طغيان الأدب الزّجاجي سيجعل من مرحلتنا الحالية مرحلة رماديّة تتّسم بالرّكود في الزّمن القادم، وتجعل الهوية الإبداعية مشوّهة؛ لأنّها لا تستند على أركان إبداعية خالدة؛ يمكن الاستناد عليها لتصوير المرحلة بدقّة.