الطيوب | حاوره: رامز رمضان النويصري
العنف، مجرد ذكرنا لهذه الكلمة، يستحضر أمامنا شريط لا ينتهي من الصور، التي تعبر عن هذا السلوك الإنساني الذي يستقوي به الإنسان على أخيه الإنسان، يستضعفه ويهينه. العنف الذي يولد الانفجار، ويتسبب في الكثير من المشاكل الصحيفة للفرد، على الصعيدين الجسدي والنفسي.
نستضيف في هذه الوقفة، الكاتب احميد المرابط الزيداني، المستشار القانوني، والمهتم بحقوق الإنسان، المتعاون مع أكثر من مؤسسة محلية ودولية في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان.
وضيفنا، لديه الكثير من المشاركات فيما يتعلق بالعنف، وهي المسألة التي ركزنا فيها حديثنا مع السيد احميد، في محاولة للتعريف بهذا السلوك، وآثاره على الفرد والمجتمع والإبداع.
وحتى نفهم ما هو العنف، كانت فاتحة حديثنا عن تعريف العنف، فكانت الإجابة:
للعنف تعريفات مُتعدّدة، ولكن يُعرّف العُنف وفقًا لمنظمة الصّحة العالمية على أنه:
العنف هو إحدى المشكلات الصحية العمومية التي تحدث نتيجة لاستخدام القوة والعنف البدني عن قصد، سواء للتهديد أو للإيذاء الفعلي ضد النفس، أو ضد شخص آخر، أو ضد مجموعة أو مجتمع، وقد يؤدي العنف أو يحتمل أن يؤدي إلى، الإصابة، أو الوفاة، أو الضرر النفسي، أو سوء النمو، أو الحرمان.
العُنف أضحى ظاهرة في المُجتمع الليبي
وحول العنف ومجتمعنا الليبي، ومدى انتشاره، يقول السيد الزيداني:
بحسب تجربتنا الحقوقية وما نرصده من بلاغات وما نتلقاه من شكاوى أظنّ بأنّ العُنف أضحى ظاهرة في المُجتمع الليبي تستلزم الدراسة والمسوحات الاجتماعية لوضع استراتيجية وطنية للحدّ من العُنف، ولعلّ ما يُعيق التعاطي مع العُنف كظاهرة هو حالة (النُكران) التي يمرّ بها المُجتمع، ويرفض من خلالها الكثيرون وجود العُنف كظاهرة ويعتبرونه مُجرّد وقائع فردية، في حين أننا وفي إحدى الجلسات الحوارية التي قُمنا بها في إحدى المُدن للتوعية من مخاطر العُنف، تبيّن من المسح الذي أجريناه على الحاضرات أنّ (11) سيّدة من أصل (18) تعرّضن لأحد أشكال العُنف، وأنّ النساء الباقيات لم يعرّضن بشكل مُباشر ولكنهُنَّ يعرفن سيدات تعرّضن للعُنف، عِلمًا بأنّ هذه الشريحة عشوائية ولم يتم اختيارها.
ويضيف، السيد الزيداني، موضحاً:
من المهم التمييز بين أشكال العُنف، وأنواع العُنف.
فأشكال العُنف يُقسّمها البعض إلى عُنف مُباشر: وهو الذي يقع على الضحية بشكل مباشر كالضرب وغيره، وعُنف غير مُباشر: وهو العُنف الذي لا يقع على الضحية بشكل مُباشر ولكن كالإهمال ونحو ذلك.
وأمّا عن أنواع العُنف، فإنّه يُقسّم وفق المُختصّين إلى:
– العُنف الجسدي.
– العُنف اللفظي.
– العُنف النفسي أو العاطفي.
– العُنف الاقتصادي.
سؤالي التالي، ومن خلال خبرتكم، ما هي أسباب هذا العُنف؟
تعدّدت وتنوّعت أسباب العُنف في المُجتمع، ولكن وفق وُجهة نظرنا فهناك أسباب واضحة وأسباب خفيّة.
أمّا (الأسباب الواضحة) فهي عديدة ومنها:
– تعاطي المُخدّرات: ويُعتبر تعاطي المُخدّرات من أشدّ الأسباب الدافعة إلى العُنف، بل إنّ ظهور مواد جديدة للتعاطي لم تكُن معروفة في المُجتمع، أدّى إلى ظهور أنماط من الجرائم لم تكُن بهذا الانتشار، ومنها العُنف الأُسري كالعُنف الجنسي بين المحارم، إضافة إلى الأنماط الأُخرى كالضرب والتعنيف والقتل ونحو ذلك.
– إفلات الجُناة من العقاب: ساهمت حالة الانفلات الأمني التي تشهدها الدولة الليبية وعدم وجود سُلطة حقيقية للدولة في انتشار الجريمة بشكل واسع، وعزّزت ظاهرة الإفلات من العقاب من تكرار الأفعال الإجرامية التي من بينها العُنف – سواءً العُنف المُرتبط بالنزاع المُسلّح، أو ذلك المبني على النوع الاجتماعي – الأمر الذي أدّى إلى ازدياده وانتشاره بصورة عنيفة في المُجتمع.
– بعض العادات والتقاليد: تُساهم بعض العادات والتقاليد في إرتفاع نسبة العُنف في المُجتمع، ومن ذلك، العُنف الاقتصادي كحرمان المرأة من الميراث والذي يُعتبر من العادات المُنتشرة في المُجتمع، ويُعتبر في ذات الوقت عُنفًا اقتصاديًا مُخالفًا حتى للدين الإسلامي.
– الأزمات والمشاكل الاقتصادية: ساهم الوضع القائم في البلاد وحالة عدم الاستقرار في المُجتمع، في ظهور مشاكل اقتصادية عصفت بالمواطن وأثقلت كاهله كانعدام السيولة وفقدان الوظائف ونحو ذلك، حتى أصبحت شريحة واسعة من المُجتمع لا تستطيع الحصول على قوت يومها، الأمر الذي انعكس سلبًا على الواطن وكان سببًا في كثير من حالات العُنف.
وفي ذات السياق، يقول السيد الزيداني:
وغير ذلك من الأسباب الواضحة للعُنف.
وأمّا عن (الأسباب الخفيّة): فنرى بحسب وجهة نظرنا أنها الأخطر كونها لا تكون واضحة للجميع، ويستلزم عملية ملاحظتها ومُعالجتها أو الحدّ منها تدخّل المُختصين، ومنها:
– العوامل النفسيّة: تُعتبر العوامل النفسية من أهم الأسباب التي تؤدي إلى العُنف، وتكون في بعض الحالات نتيجة للعُنف في ذات الوقت، ومن ذلك ما رصدناه من حالات لبعض الشباب شاركوا في أعمال قتالية عنيفة، وتعرّضوا إلى اضطربات نفسية لم يتم تشخيصها وغير ظاهرة للجميع، كانت تِلك الاضطرابات سببًا في ارتكاب العُنف ضد بعض الأشخاص وتكراره أكثر من مرّة، يصل في بعض الحالات إلى القتل.
كما أنّ بعض من يقع عليه العُنف يكون في البدء ضحية، ولكنه ومع تكرار الأفعال ضده يدخل في مجموعة من الضغوطات والاضطرابات النفسيّة التي تجعل منه مُرتكبًا للعُنف ومُعَنِّفًا، وتكون الخطورة في هذا النوع لصعوبة تشخيصه، وللوصمة المُجتمعيّة التي تُصاحب زيارة الطبيب أو الأخصائي النفسي الذي سيكون مؤهلًا دون غيره في تحديد نوع وجسامة ذلك الاضطراب وتحديد آلية العلاج الناجعة.
وغير ذلك الكثير من الأسباب التي لا يسع المقام لذكرها وشرحها.
كما يلجأ البعض للعنف بحسب وجهة نظرنا لسببين عمدي أو غير عمدي: يكون عمديًّا لإرهاب الضحية أو تخويفها أو نحو ذلك، ويكون غير عمدي في الحالات التي يكون فيها تحت وقع المخدرات أو لمعاناة الجاني من اضطرابات ومشاكل نفسية.
أكثر أنواع العُنف انتشارًا العُنف الجسدي كالضرب والتعذيب
اسمح لي هنا السؤال عن أكثر أشكال العُنف انتشارًا في مجتمعنا الليبي؟
أكثر أنواع العُنف انتشارًا فيما نعلم العُنف الجسدي كالضرب والتعذيب، وكذلك العُنف اللفظي، إضافةً إلى العُنف النفسي.
هل للسوشيال ميديا تأثير فيما يخص العنف، في مجتمعنا الليبي فيما يخص العنف وممارسته؟
من وجهة نظري الشخصية ساهم الاستخدام السيء للسوشيال ميديا في توسّع وانتشار وتعزيز العنف في المُجتمع، وذلك من خلال نشر الوقائع والقضايا والتحقيقات والتسجيلات المرئية ذات العلاقة بالعنف وغيرها من الجرائم على صفحات التواصل، هذا الأمر رُغم كونه مُخالف للتشريعات النافذة التي تمنع نشر صور وأسماء الجُناة على منصّات التواصل لأنهم لا زالوا متهمين ولم تصدر في حقّهم أحكام وهذا مخالف أيضًا لسرية التحقيقات، إضافةً إلى أنّ نشر مثل تِلك القضايا إلى العامة أدّى إلى استساغتها لديهم وأصبحت أمرًا مألوفًا، بل أنّ البعض صار يُطبّق ما يراه.
الحل: الإقرار بوجود العُنف في المُجتمع
إذن، ماذا تقترح للحد من العنف؟
حتى نصل إلى مرحلة (الحدّ من العُنف) يلزمنا القيام بسلسلة من الإجراءات تبدأ من الإقرار بوجود العُنف في المُجتمع، على أن يبدأ المختصّون في مجالي علم الاجتماع والنفس بإجراء المسوحات اللازمة لتحديد مدى جسامة وانتشار هذه (الظاهرة)، على أن تتوالى حملات التوعية والتحذير من آثار العُنف على الفرد والمُجتمع وصولًا إلى ضبط الجُناة ومُحاسبة مُرتكبي جرائم العُنف وضمان مُقاضاتهم وعدم إفلاتهم من العقاب، مع ضرورة العمل على وضع استراتيجية وطنية يشترك فيها الجميع.
دعنا نتحدث هنا عن العلاقة تأثير العنف على الإبداع؟ وككاتب كيف تقيم العنف؟
باختصارٍ شديد (لا إبداع مع العُنف)، فحيثما وُجِدَ العُنف وُئِدَ الإبداع.
إشكالية العُنف في المجال الأدبي تكمن في الطرح، فمن المُمكن أن يطرحه البعض بصورةٍ تُظهر كمّ الفظاعة والرُعب والألم فيه، ولكن الإشكالية تكمن في تمكّن العُنف من البعض، لتنقلب الأمور من نقل صورة العُنف في قالبٍ أدبي، إلى حدّ (الافتتان بالعُنف) كما وصفه البعض، وهنا يكون التأثير الكارثي للعُنف.
كلمة أخيرة…
وفي الختام، أتوجّه إليك بخالص الود والاحترام والتقدير عزيزي رامز على منحي هذا البراح لتسليط الضوء على هذه الظاهرة التي تفتك بمجتمعنا في صمت.
سيرة ذاتية
احميد المُرابط الزيداني.
مُستشار قانوني، ومُدافع عن حقوق الإنسان، وكاتب.
من مواليد مدينة سبها في عام 1985.
رئيس اللجنة القانونية بمنظمة ضحايا لحقوق الإنسان.
مُدير الشؤون العلميّة بمركز القانون الدولي الإنساني.
مُستشار مُتعاون مع المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الانسان.
مُستشار قانوني سابق لعدد من المؤسّسات منها:
وزارة الداخلية.
وزارة رعاية أُسر الشُهداء والمفقودين.
الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي.
بالإضافة إلى إدارة التدريب والتأهيل بالمعهد العالي للقضاء.
صدر له كتاب (أنا والموت – قصّة قصيرة) بالإضافة إلى عدد من القصص من المنشورة في مواقع ومنصّات عدّة.
إجرى مجموعة من اللقاءات التلفزيونية والصحفية والمقالات في مجال حقوق الإنسان في عدد من القنوات المحلية والدولية والصحف المحلية والدولية، بالإضافة إلى المُساهمة والمُشاركة في إعداد عدد من التقارير الحقوقية الدورية محليًّا ودوليا.