المقالة

الكاتبة تتحول لامرأة برية متوحشة!

من أعمال التشكيلي الليبي توفيق بشير

خلال عام ونصف وتحديداً في الأشهر الفائتة، التي أعيشها مستغرقة في الكتابة. نما وكبر وحش داخلي، وحش فوضوي تدلى من حواف العقل وتلبسني ولم أتخذ حياله اي ردة فعل للسيطرة عليه ومنعه، عندما بدأ تكوينه الأولي، انتبهت بعد فوات الأوان، وقد سبق أن فعلها مرات متعددة احتلني   لفترات متباعدة، ثم رحل من تلقاء نفسه، يتلبسني بخفة ويخفي هدفاً نبيلاً وراء ظهره.

بت أظهر للعلن بين فترة وأخرى بهدف ترويضه، وبعض الأوقات أكون مجبرة، في أحد المرات كنت مضطرة لمصارحة صديقتي التي دعتني لزيارتها، أخبرتني بأني اصبحت بعيدة جدا في عزلتي وعللت خوفها بخشيتها من إصابتي بالاكتئاب، لم اتحرج يومها من قول الحقيقة، وصفت نفسي بالمرأة البرية المتوحشة، صارحتها حتى أبرر غيابي ” أنا اعيش حالة خاصة لا أطيق الاقتراب من أحد. ومهما كانت درجة قرابة من يتحدث معي أغدو عصبية المزاج، بعض الأوقات أصرخ دون اسباب وجيهة”.

من الصعب الاستنتاج بأنها استطاعت فهم ما أمر به، وأبقيت سراً تفسير الحالة التي وصلت   للاستغناء والتقصير في احتياجات شخصية تهتم النساء ألا تهملها، وهي المظهر الأنيق، وتلوين الشعر الأبيض، وحتى إعداد وجبات شهية للعائلة، صار خروجي من البيت مؤلم لدرجة لا تصدق، ولو فعلت أتجنب أي جار ثرثار، أتنكر لمعارفي وأحياناً عائلتي، كل ما أرجوه أن يفسحوا مكاناً واسعاً حيث اجلس داخل فقاعة محصنة ضد الأصوات الخارجية. مكتفية وفي قمة المتعة بما أسمعه من أصوات شخصيات الرواية التي احتلت كل الفراغ المحيط بي ثم استولت على حواسي. أن يتسامحوا مع قطيعتي ويتمهلوا في انتظار عودتي.

إذا من يراني بعيد يحسب بأني امرأة تجلس في ركن صغير قريب من النافذة، تستمع للموسيقى ولا تفعل شيئا سوى التأمل وفجأة تصاب بلوثة وتنشغل بالضغط على لوحة المفاتيح. بسرعة فائقة، أناملها تلاحق فكرة ما، تخشى ضياعها قبل القبض عليها.

بعض الأوقات استطعت القبض على جنوني وهو يتجلى بتلك الصور وهي تتحرك ببطء ثم تصبح أسرع ليتشكل المشهد أبصره وحدي، وعندما يتحدثون بين بعضهم البعض أسمعهم، واجدني في قاعة المسرح المظلم المتفرجة الوحيدة على العرض، يتكرر المشهد لمرات متعددة، في كل مرة ينتظرون أن أصفق لهم ولكني لا أفعل، يعيدون تمثيل أدوارهم، اشعر بغيظ من أحدهم أنهره قائلة: الحوار ركيك من كتبه لك؟ يومئ إلى بوقاحة، أغضب، أطلب منهم الانصراف وسنكرر العرض في وقت لاحق.

ما أحتاجه مزيداً من الرتابة وتكرار إيقاع الأشياء في المحيط، وسوف أهدأ تماما وتستوي الأمور وتأتي وحدها ناضجة شهية ومرضية.

تتالى المشاهد ويستأنف العرض مجدداً، في تلك اللحظة لا أتوانى عن التصفيق والكلام بصوت ربما يسمعه من يجاورني، وصارت صدمتهم مألوفة بما أفعله، اعتادوا على تلك النوبات لامرأة غريبة الأطوار، يعتقدون أن الاستغراق في الكتابة يأخذني بعيداً عنهم، وهذه حقيقية، ولكن ما لا يدركونه أنهم عاجزون عن رؤية ما تجسد لي وغير مزاجي بين غضب ونفور وشكوك وقلق وبهجة أو ألم غير معروف مصدره.  

كل ما أهتم له أن لا يقاطعني أحد منهم، لا يتنفس أحدهم قريبا من مساحتي، أن يمشوا على رؤوس أصابعهم، ان يصبحوا غير مرئيين هذا أفضل ما يفعلونه من أجلي، كي لا أنفعل وتخرج المرأة البرية لتصرخ في وجوههم.

على الجميع الاستسلام للأمر الواقع ريثما أكمل البروفات ونصل إلى العرض الأول بسلام.

مقالات ذات علاقة

أين ليبيا التي عرفت؟ (6)

المشرف العام

نشوة الدكتوراه

عادل بشير الصاري

من اضطهاد الألفاظ إلى اضطهاد الكُتَّاب

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق