الطيوب : حاوره / مهنّد سليمان
يحمل العمل الفني حكايته التي تُذكي جذوتها الفرشاة وتُجسّدها الخطوط والألوان لتبني كونا موازيا لحقيقة الجميع يفرّ من مواجهتها رغم تعدد المزاعم يتشكل عالمٌ يتكئ على فُسحة من القماش يُبصر نوره من خلالها بمتناقضاته وأضداده بوجوه شخوصه المتنوعة حيث تتحول فيه بقعة الدم القاني في أقصى منطقة بالجلد إلى نموذج حيّ ينطق بما أُلجِمَت عنه الأفواه، وهذا لمسناه عند توقفنا أمام التجربة الإبداعية للرسام المصري “وليد عبيد” الذي يمنح للوحة منطقا مُبَررا وجغرافيا تكاد أن تفرز وطنا آخر يروي الحقيقة بأدوات الجمال، وليد عبيد من القلائل اللذين يتعاملون مع اللوحة بحساسية ذكية تصل للآخرين وتُوجعهم فكل واحد منهم يضع إصبعه على موطن جُرحه، ومن هنا تنطلق الحكاية، المرأة مُوجِدةُ الرجل ومُرضعةُ الحجر تنال جوهر هذه الحكاية فيتشعب العالم بأسره من ضحكتها ويختل توازنه جراء إنكسارها وجمودها، ويضيء بثورتها، الأنثى التي كانت للحضارة ربةً وللقصيدة ضوع بخور، وللسوق سلعة رخيصة، وللخيال أحلام طائرة، إن هذا النسج الحريريّ لمجتمع يُفرط في حبه ويتطرف في كراهيته يلتقي على مائدة الرسام وليد عبيد.
تضيء أعمالك الفنية على هواجس المرأة هل اقترابك من حساسيات القاع الاجتماعي استفز فرشاتك؟
يستفز فرشاتي كل ما هو أصيل سواء كان حب أو حزن أو غضب بصرف النظر عن جنس الإنسان.
أغلب لوحاتك تحمل نبض الحكاية، كيف تطوّع الألوان والخطوط لصالح السرد الحكائي؟
أنا |أفكر كثيرا قبل أن أرسم، ولكن بمجرد أن أبدأ أتوقف عن التفكير وأترك لوجداني العنان فلا أطوع شيئا بل إن كل ما يجيء يأتي طوعا .
هل إقحامك للتفاصيل دور في ذلك ؟
على الإطلاق فأنا لا أقحم شيئا في اللوحة إنما أترك اللوحة هي التي تختار عناصرها، بل على العكس فإن اتجاهي مشبّع بالكثير من التفاصيل المتعلقة بغريزة التصوير.
ألا تخشى من لعنة الواقعية على لوحاتك؟
بالطبع لا لأن عملي فعليا بعيد عن الواقعية، ولكن أغلب الناس تخلط بين الاتقان والواقعية رابطين كليهما ببعض، لكن لو دققنا سنجد بأن الواقع بصورته الواقعية غير موجود مطلقا، فالفن حالة من التمرد على الواقع حتى وإن استخدم الواقع فإنه يغير ترتيبه ليضيف إليه إحساس جديد .
نجد انعكاسك واضحا كفنان وكأنك تنفرد ببطولة اللوحة أين المعنى من ذلك ؟
ربما إن لم يحدث ذلك فلا يعد الرسام بفنان من وجهة نظري، فالفن رؤية ذاتية وإن اهتمت بغير ذات الفنان.
كيف تبني تصوراتك الأولى عن اللوحة ؟
كل شيء في عملي مبني على احساس مفاجيء أو ومضة تخلق حماس ما وشغف بما أرسم وبالتالي تُولد اللوحة وفق هذا النحو.
لماذا تظهر جليا ملامح الضراوة، والحدة على وجوه أبطالك؟
إن كل من أرسمهم تظهر وجوههم بروحي أنا، وهي ليست ضراوة بقدر ما هو تحدٍ وصمود.
هل تعتبر بأن للفن رسالة لابد أن يبشّر بها الفنان؟
هذا يحدث تلقائيا في اللوحة الأصيلة
برأيك هل المدارس والمشارب التشكيلية الحديثة وضعت فجوة بين اللوحة والمتلقي؟
اللوحة التشكيلية تضم مجموعة من القيم إن تحققت أحدثت انجذاب المتلقي للعمل الفني أيا كانت مدرسته، لكن الجمهور حينما ينجذب يطمع في الحصول على جرعة زائدة من الحكاية، وهنا تختلف المدارس فالمدارس الحديثة تربط المتلقي بها جماليا فقط، وقد يكون هذا كافيا عند البعض لكنّها لا تحقق الحميمية والعاطفية إلى جوار الارتباط الجمالي.
تحاول من خلال اشتغالك الإبداعي أن تُذيب القوالب النمطية التي حاصرت النساء في قالب جاهز سلفا، ألا يمكن للفنان أن يعبر عن أفكاره من داخل القالب نفسه؟
كل ما أحاول تقديمه هو أن أكون صادقا فيما أرسم وألوّن طالما كنت صادقا في احساسي وشغفي بما أرسم.
هل توظيفك لثيمة العُري ينطلق من مبدأ علاج المجتمع بالصدمة؟
العُري ليس بثيمة فصوره متباينة ومنتشرة جدا في الفن منذ بداية الحضارات القديمة، ولكن تغير الثقافات والتحولات الفكرية في الاتجاهات لبعض المجتمعات هو ما يخلق الصدمة كل حسب ثقافته .
لماذا تفرط في المباشرة بلوحاتك؟
في الواقع هي ليست مباشرة بقدر ما هي بساطة كبساطة الطبيعة الظاهرية على ما تحويه الطبيعة من أسرار، ورغم ذلك فأنا كثيرا ما توسم لوحاتي بالغموض .
هنالك من يرى بأن المباشرة تربك العمل الفني؟
أنصح من يتبنى هذا الرأي إلى أن ينجزوا أعمالهم دون مباشرة.
كفنان متى تجد الغموض ضروريا في اللوحة؟
ربما الغموض يجيء طبيعيا إذا ما اقتضت الضرورة الفنية إليه،لكنه لا ينبغي أن يعمد الرسام إلى افتعاله .
كم الزمن الذي يستغرقك لإنجاز اللوحة؟
بهذا الخصوص لا توجد قاعدة زمنية ثابتة، فالوقت مفتوح قد يطول، وقد يقصر بمقتضى المزاج الفني، واللوحة قبل الولادة النهائية تمر بمخاض أحيانا عسير وأحيانا أخرى يسير.
نلحظ ارتباطا عضويا بين اللحم، وجسد النساء هل تريد الكشف عن علاقة ما بينهما؟
لعلها ملاحظة في غير محلها لأنها جاءت في لوحة واحدة الموسومة بـ(لحم حلال) مثلت حالة معينة، وبالتالي لا أجد أي ارتباط منطقي بينهما.