عندما يبكي القمر، يصمت الكون كله، كأنه يختبئ من وجع نحيبه. في تلك اللحظة، تتهاوى القيم كأنها أوراق شجر يابسة تهزها ريح الخريف، وينهار الحب في قلوب البشر كصرحٍ هجره ساكنوه. يفر الصدق مذعورًا، ويزحف الكذب والنفاق كطوفان أسود يغمر كل ما كان يومًا نقيًا وجميلًا. يبكي القمر، فتتناثر دموعه كأنها جمرات ملتهبة تسقط من السماء، وتحل الدماء محل المطر، فيغدو كل شيء مشبعًا بالألم.
النجوم، تلك الحرّاس الصامتة في أبراجها العاجية، تهوي واحدًا تلو الآخر إلى قلب البحر، الذي يثور ويستعر كأنما يحمل على عاتقه وزر دموع القمر. تنقلب الموازين، وينهض الرضيع في مهده، كأنه يحمل أعمارًا أكبر من سنه، يشيخ قبل أوانه، ويبدو الموت عاجزًا، كأنه هو الآخر يرتجف من رهبة المشهد، رافضًا أن يجتث الأرواح من أجسادها.
وفي هذه الفوضى، تغدو الحياة عبئًا ثقيلًا، بلا هدف، بلا ثمن، بلا معنى. كأنما كل شيء تجرد من جوهره، وأصبح مجرد ظلٍ باهتٍ لما كان.
كل هذا يحدث لأنك بكيت يا قمر… لأن دموعك لم تكن ماءً، بل كانت شرارة أشعلت فتيل الكون، وأغرقت بهجة السماء في حزنٍ لا ينتهي.