نقرُ غربةٍ
صوتٌ لا يموت يجول بذهنه طوال الوقت: أيها الغريب في غربتك اِعلم أنك ليس لك أن تكون، وإنْ كنت قد تكون فحاذر أن تكون لا شيْ يكون.
نقرٌ هيكلٍ
قالت تتحدث للمرآة المُبهمة الوجه: إنْ كان بوسعي أنْ أخرج عن هيكل جسدي وأنظر إلى ذاتي في مقابل ذلك الهيكل عنوانُ زماني، فهل سأتعرف على ذاتي فيكِ بنظرةٍ دون توهمٍ ودون شكٍّ.. قالت المرآة بطرفٍ تكنزه السنون فيه تبتلٌ: لا تغنيك رؤية العين طالما أوهام حدس الحسِّ تخفي عنك كمال سجيتك.
نقرُ غالية
تخاطبه والدته الغالية من حيث ما بينها وبينه من الرُّسل: إن تَعثّرتَ والقتْ بكَ الدنيا في مكانٍ سحيقٍ يتخطفك الزمن الغادر ويتخلى عنك الناس والأقارب والأصدقاء وويحاربك الدّهر المُتلف للهممِ، فأعلم أنّ ذراعيَّ مبسوطتان كي تنجيك من السقوط في حقل غابات الذئاب وبيداء الأفاعي السامة.
نقر موعدٍ
عجوز يحبو نحو الكهولة قائلاً مستغرباً مخاطباً أحد أبنائه وقد سئم في أحداقه العالم المأزوم الخانع في قبضة الردى: طوال الوقت وأنا أشقى سعيداً كي أضع بين كفيك كلّ جهدي لأجعل منك اِنساناً وأمضي، وها قد حان موعد حاجتي لك لتعيده إليّ على درب عبء الزمان المسافر في بيداءٍ من منفى إلى منفى، فتراني أجد كفيك خالية تعجز عن حمل أيّ شيْ، كريح تعصف بها تذروها شظايا كأحلام السراب.
نقر أصدقاء
جلس عجوز بين البقاء والفناء وقد تعلم سرّ البرزخ من الصمت وقال: ربما كان من اليسير علىّ أنْ أرضى بكذب الإصدقاء وزيفهم وقد كانوا كُثّر أكثر مما كنتً قد اجني من هدأة بالٍ مع الحقيقة لمعرفة نفسي ومعنى الحياة وعمق الدهر، ربما لهذا السبب وفوق حطام زمن التشظي والتبعثر وسياط الغربة لم يعدّ لي وفي صمتٍ ثقيلٍ من أصدقاء بصدقٍ في هذه الدنيا إلا القليل جداً إنْ وُجدوا.. الزاد القليل أثقل ما يكون.. فأسراب من المعاني عدوتُ خلفها حتى أيقنت أنّ كلّ صداقة زائفة لابدّ أنْ تؤول للنسيان كي أعود لنقطة البداية الطليقة المزهوة بأقواس قُزَح.
نقرُ الثرثرة
أتنمى يوماً من أنْ يعرف وطني المنكود أنّ متاحف الثرثرة لا تتشابه مع كلمة عاقلة تقال في وجه من تحشدّ في صف الغزاة على مدنٍ فرح الأطفال، جلّ شيمته التطابق مع غمِّ السنين.
نقرُ نجمةٍ
تنهمر أمواج الدجى على المدينة التي وُلد بها وأحبها فوق الوصف يحلمُ بالضياء وبقدره السعيد، وفي صباه علّق على صدرها نجمة غراء مضيئة، وها هي الغراء قد تهشمت هذه الأيام على أيادي المجهول عبر تراكم الخيبات، وذات صباحٍ توارت في مهاجع الهباء.
نقرُ شعلةٍ
قال له والده مرة بعد إنْ انتقل كُرهاً وظلماً من مدينته إلى مدينة أخرى: وُلدت وفي صدري شعلة مضيئة طاب لها الخلود ومع مرور الزمن اِزداد لهيبها ولم تذُب، فكلما حاولت الأيام بمكرها ومكر الناس بمدينته الأولى أْنْ تطفئ بريقها تظل كما هي على حالها بأرحام السنين.
نقرُ الحياة
قال العجوز الهندي الأصيل يخاطب أقرانه تحت جبال “الروكي”: كلما أخترت عزلتي أتذكر أولئك الذين تناسوني ونسيتهم وقد ذهبوا مع الريح لأنني أدركت ما الذي تعنيه الحياة وقد رضيت العيش طليقاً على درب الأشعار والغناء.
نقرُ طفلة
قال ذات العجوز: سمعت طفلةً من أحفادي تقول: إذا كانت الشمس تستطيع أن تصحو كلّ يوم وتنشر اشعتها على الناس والحقول، فأنا ايضاً أستطيع أن أصحو كلّ يومٍ.
نقرُ بشرةٍ
كما قال: سمعتها مرة أخرى تقول لزميلتها: اِبشري دوماً بالخير فالأرض ستظل تدور حول نفسها وحول الشمس في آنٍ واحد رغم أننا لا نستطيع مساعدتها على الدوران.
نقرُ صمتٍ
سمعتُ مرة ذات العجوز يقول: لا أكلُّ ولا أملُّ من أن أُوشوش بكل أمنياتي السرية للسماء وسحائبها الفضية وللأنجم وهي تنمو متلألئة، فربما على نحو ما تنصت الأرض لرغباتي ساعة أن أخاطبها في جنح الليل الصامت في حُلمٍ شفيف.