محمد اسويسي
”على الأنسان الذي قرر أن يحتكم الى العقل ان يلتزم بأحد ثلاثة دروب: أولها اكثرها نبلا: العقل، ثانيها اكثرها يسرا: المحاكاة، ثالثها أكثرها مرارة: التجربة“ (كونفوشيوس)…
الترحال يقين المعرفة…
أدركته الحروف بلكنة الابداع فأدرك هو المعان.. قدم الى الدنيا منذورا بالوصية.. استجار بالعرفان فأجاره بالبيان…
يعتبر الفاخري من كتاب ما بعد الحرب الكونية الثانية سر عشقه للإبداع لم يبطل مفعول الحلم عنده لمجتمع أفضل. انفاسه تهتز بأنفاس المكان وحكائية أهل المكان إسهابا في اظهار الادراك اللفظي مستدعيا بساطة تكوين أهل المكان. تستوقفه الازقة وحكايات كواهل الجدات والجدارات يلح عليها هو بالسؤال لترد هي عليه.
استسرر الحكاية بالحكاية في محاوراته الدراماتيكية نشدانا السجية التي انصاعت للغته المنحوتة وبالرغم انه من الكتاب المقلين فهو في مشواره الأدبي لم يصدر سوى ثلاثة كتب (موسم الحكايات، غربة النهر، بيع الريح للمراكب).. لكن هذه الثلاثة كتب كانت ايقونات استقراء للموروث في أدب الحدوثة والمقالة.. فقد كانت تحمل دلالات قيم فنية ذات طابع موضوعي يراعى المستقبل بنظرة مشرقة.
الفاخري قريبا في اسلوبه وأدبه من مشاعر وحنين وحلم المواطن البسيط في أمله لمستقبل أفضل. استولد من حكاياه حكايات.. بل وأستطاع ان يتميز بمفرداته وجزالة منشوره في ان يجعل من تلك الحدوثة من ان تفيض بدفيء الحياة تجددا وقد يكون كتابة (موسم الحكايات) الموسوم بالحكايات والمقالات والترجمات والقصة مخزونا لكل بيت (حوش) وكأنه وثيقة تؤكد ان هذا البيت هو محرابها.
الفاخري أمتهن رسم الخط صغيرا مما جعله ينال رضى الفقيه في كتاب (الحداده) حتى ان الفقي كلفه بكتابة (الختمة) وقد استفاد حين درس اللغة الانجليزية وادبها ونظرا لضيق ذات اليد عند اسرته استفاد خليفة كثيرا من المراكز الثقافية والمكتبات العامة في بنغازي وقد برع في مرسالاته خصوصا مع رفيق دربه الصادق النيهوم حين كان الفاخري في بنغازي والنيهوم في اوروبا منها: كتب له الصادق ”اردت ان اجعل كلماتي تضيئ وقد اعطيتها مدة كافية لكن الحروف كثمرة الشماري تحتاج لوقت وانا الكلمات عندي تتغذى على التجارب.. هرعت كالمجنون اجوب الارض ابحث عن الاحداث والتجارب“.. ويرد عليه خليفة ”الجري وراء قطعان الكلمات شاق وطويل ودائب.. انه عذاب متصل يختصر الوقت دون ان يجعلك تنعم بلحظة رضا مدى العمر“.. وكانت تربطه بالصادق علاقة حميمة.. الصادق والنيهوم ابناء ثقافة المكان والزمان ذات طابع بنغازينو ليبي الهوى والمعرفة.
لغة الفاخري منحوتة بعناية موهوبة الازميل خاصه في النص التخيلي السردي المشرع علي فضاءات لغوية شعرية نثرية من حيث الرمزية المتجنبة للواقعية لغة ايحائية مطالبة بإعادة قراءة الموروث بحيادية وصياغة اكثر دقة ودهشة عالية الطاقة الايجابية تأثيرا وذلك بتنوع العبارات والمفردات المنحوتة رغم قلة إنتاجه.
الفاخري سيد المكانات.. محبا لأهلها كتبها كما عاشها وعاشته كلماته موسومة بذاكرة المكان قرئها المكان وأهل المكان وهو القائل “افتح بوابة صدري لكل الناس لكن دروبي ضيقة“.. ويقول ”وحين تنتهي غربة النهر في مقبرة البحر يكون قد ترك خلفه ضفاف معشبه ومراع وحقول غامرة بالخير والسلام“.