حوارات

التشكيلية شفاء سالم : أبحث عن جنة مفقودة كانت في ليبيا

الطيوب : حاورها / مهنّد سليمان

الفنانة التشكيلية “شفاء سالم”

حين تكون الهُوية واضحة الملامح تصنع وطنا حقيقيا يتحول لملاذ آمن لأبنائه دون تمييز، إن جذور الإنسان تتنفس برئتيّ الأرض وإنتماؤه لن يتأتى إلا بمشقة البحث عن كينونة تُفسّر خطوات وجوده، ولعل المأزق الذي تمر به بلادنا وتداخلاته المعقدة جعل التشكيلية الواعدة شفاء سالم تلوذ بذاكرة الأمس المتخمة بالنسيان، فهي قد هاتفها دويّ صرخة انطلقت من أعماق كهوف تاسيلي ووديان جبال أكاكوس بأقصى جنوب الصحراء الليبية حيث حمّلها الصيادون والرعاة هناك رسالة من التاريخ إلى المستقبل لتتبنى في سياق مشروعها الإبداعي رؤية تحاول من خلالها نفض رُكام الغبار وتصلب شرايين الوقت كي تصير المسافة للضوء قاب قوسين أو أدنى، شفاء سالم فنانة تُصيِّر من الملهاة بالألوان قدرة تسمح للتاريخ بأن ينمو على جُغرافية لوحاتها، فالتاريخ بقدر ما يحتاج لإستنطاق حقيقة ما جرى نحتاجه أيضا لفهم ما يجري اليوم حتى تستقيم مِشية النهار، شفاء سالم من مواليد مدينة بنغازي عام 1996م طالبة بكلية الهندسة قسم عمارة بجامعة بنغازي، أقامت معرضها الفني الأول في نسخته الأولى بعنوان (أنا ليبيا) في بنغازي أكتوبر 2021م وأقامت نسخته الثانية بطرابلس في ديسمبر من نفس العام، بالإضافة لمشاركتها في معرض جماعي بعنوان (معزوفة لونية) في مارس المنصرم.

البداية دهشة ورجفة هل تتذكرين كيف تعرّضت أصابعك لأول مرة للاهتداء لفن الرسم؟
الأصابع تلهو،وعندما تلهو فهي تفعل ذلك بخطورة،أتذكر الآن كيف أثر هذا اللهو في كل ما مر في حياتي،صوت قلم الألوان،مشهد ذلك الخدش الجميل الذي يحدثه على وجه الورقة،كنت وأنا طفلة أنظر فيه لمصيري ومستقبلي،في المدرسة لم تكن الألوان هي الوحيدة المهمة،لكن هي الوحيدة التي تعطي لحياتي شكلها الملائم،وهي ما يغير لهجة الطفولة وينطق بلغة أصلية رائعة.
تنهض أعمالك على استلهام كبيرللتاريخ الحضاري لليبيا، هل هي محاولة لتأريخ ذاك العصر بالخطوط والألوان ؟
ليست فقط محاولة لتأريخ ذلك العصر أو مجرد نقل له،الأمر أكبر من ذلك بكثير،لقد انفتح التاريخ على علم الآثار والأنثربولوجيا وغيرها،ما هو مهم في التاريخ ليس التاريخ ذاته،بل المهم منهجه ونظرته للكيفية التي يتبدد بها كل شيء فيه،لدي منهجي الخاص في كتابة تاريخنا العظيم،منهجي يتحرك داخل معنى التاريخ كمغامرة عاشها الإنسان الليبي في ما قبل التاريخ،يحتاج التاريخ الموجود على الجدران إلى إضفاء المعنى عليه،أنا أمنح في لوحاتي تلك المغرة الحمراء فرصة التغلب على ذاتها وتدفق منها الكلمات في عقل المتلقي،الحاضر هو سلطة قائمة ولها قوتها ولوحاتي تقول أن صوت الماضي هو صوتنا فعلا وهو ما يجب الاستماع إلى كلماته.
ألهذه الدرجة يظل النسيان شبحا يؤرق الفنان حتى يبدده باللغة أو بالألوان ؟
التاريخ بدون الخوف من النسيان يحول إلى زخرفة فارغة،النسيان هو الوميض السلبي الذي يزعج كل أمة تحاول التواصل مع جذورها،لوحاتي هي إعادة بناء للماضي،إنها محاولة لاستلهم الأصول في فترة حرجة من تاريخ بلادنا،وهي تلمح أن الماضي يمكن أن يكون حاضرا دون انقطاع لو تمسكنا به وبقيمته،النسيان يحاول أن يفترس وجه هذا الوطن، وأنا كفنانة قررت أن لا أسمح بذلك الفرشاة،الألوان الاطار،القماش هي فم هذا الوطن ولغته وبلاغته.
هل بحثك عن الحكايات هو ما فتح شهية فرشاتك نحو حياة الأمس البعيد ؟
لا لم أبحث عن الحكايات بقدر ما بحثت عن من صنعوا هذه الحكايات،حاولت أن أبعد كل ما يصد عن رؤية واضحة لما صنعته أيديهم،حاولت أن أفهم كيف كانت جدارياتهم قادرة على التهام النسيان نفسه دون توقف،يمكن القول أنني لا أبحث عن حكايات بقدر ما أبحث عن جنة مفقودة كانت ليبيا هي أجمل ما فيها،وقد سمعت تلك الصرخة القادمة من قعر الكهوف والأودية،سمعت صوت الصيادين والرعاة في الأكاكوس،وسمعت نداء التاريخ ومن المستحيل عدم رسم هذه الصرخة.
بلادنا ماتزال غارقة في بحر من المجهول لأبنائها قبل الآخرين كيف يمكن للمبدع النهوض بجمالياتها من هذا المستنقع الآسن ؟ هل يحتاج المبدع لتبني مشروع ما ؟
لقد كان مشروعي وهو مشروع الهوية مقاربة لونية لتاريخنا وهويتنا،نحن بحاجة ماسة إلى مشاريع من هذا النوع تشكل حوارا إيجابيا تجاه الوطن ومستقبله،لدى الفنان وظيفة حرجة في ظل الظروف التي نعيشها وواقع الحال في بلادنا،لدينا ظروف لا يمكن فيها تمجيد الفن أو الفنان،ما يجب أن يتم تمجيده هو الوطن الذي تنهكه حمى الأحداث المتلاحقة،يجب أن يبقى الفنان في وطنه بكل أحلامه وعذاباته،ولا يغادر بأحلامه إلى منطقة تسقط فيها في ذاتها وتموت في رتابتها الهادئة.
كيف ترين واقع حال الحركة التشكيلية في ليبيا ؟
لست أنا من يرى واقع الحركة التشكيلية في ليبيا،النقاد هم الجديرين بهذه المهمة وعليهم القيام بذلك.
ماهي مشاريعك المستقبلية ؟
أنا الآن في بداية مشروع الهوية الليبية ولا أدري كم من الوقت يحتاج هذا المشروع،ولا أدري هل يكفي عمر شخص واحد للقيام بهذا المشروع،هذا المشروع يستحوذ الآن على كل وقتي وجهدي وهو نقطة اهتمامي الوحيدة.
كلمة أخيرة :-
أتمنى أن يجد الفن التشكيلي كل الدعم اللازم من الليبيين والمؤسسات الليبية وأتمنى أن يكون للفنان في ليبيا مكانه الحقيقي وتقديره من المجتمع والمؤسسات الثقافية.

مقالات ذات علاقة

الشاعرة: خلود الفلاح / رقم حسابي دائماً يشكو البرد و الوحدة

المشرف العام

الشاعر محمد عبد الله.. لفسانيا: طموحاتي كبيرة جدا ليس لها مدى أو حتى فضاء يحتويها

المشرف العام

آية الوشيش: شعرها أبن الرهافة المرهقة وقصتها تعكس وجه الحياة بوضوح !

حنان كابو

اترك تعليق