قصة

ذاكرة زرقاء 9

قهوة وبحر (الصورة: عن الشبكة)

لم يودّعني البحر ليلة البارحة مع أنّي بقيت بجواره لساعات طويلة حتّى قبيل الفجر.. لقد بدا هادئًا سارحًا وكأنّه غافيًا على ضوء القمر، ولم أكن أعرف أنّه ينوي الرحيل..

 منذ يومين جئت إلى هنا لأقضي إجازتي على الشاطئ وأنا مثقلة بالغربة والشوق والحزن، فقضيت اللّيل أسمع هديره الذي بدا لي كتهويدة أمّي لأنام.. اليوم وعندما أتيت إليه في الصباح لم أجده، فقد اختفى وصار بعيدًا.. وقفت أمام هذا المشهد الرهيب: يا سبحان الله! لم أر جزرًا للبحر بهذا الحجم من قبل، كنت فقط أقرأ عنه في الكتب، ولم أتخيّله بهذه الإثارة والإبهار! لقد ابتعد البحر.. ابتعد كثيرًا كثيرًا.

 كنت أعرف أنّ جاذبيّة القمر تسحب البحر.. تجعله يهجر شطآنه..

يترك كل شيءٍ وراءه ويغادر… وبحذر عبرت كل هذا الفراغ والمكان الذي تركه، وحاولت اللحاق به.. كنت أرى بعض الرّجال وقد لبسوا أحذيةً عالية الساق، يلتقطون أشياء من تلك الأرض الرّطبة، ويضعونها في أكياس، ولست أدري ماذا يلتقطون؟ ولم أسألهم عندما مررت بهم؛ لكنّ أحدهم ناداني وقد تركته خلفي، وقال لي:

– لا تدخلي أكثر من ذلك فقد تعلقين، أو يأتي المدّ فجأةً وتغرقين.

 شعرت بالفرح، فها هو القمر سيترك البحر يعود إلى شطآنه نقيًّا ومشتاقًا! وعدت مسرعةً إلى الشّاطئ.. جلست هناك أنتظر عودته، وأنا أردّد:

 “…أنا في انتظارك خلّيت

 ناري في ظلوعي وحطّيت

 إيدي على خدّي وعدّيت

 بالثانية غيابك ولا جيت

يا ريتني عمري ما حبّيت…”

مقالات ذات علاقة

الأشجار لا تموت دائما واقفة

بشير زعبية

دقيقة من فضلك!

عبدالرحمن جماعة

ميراندا

هدى القرقني

2 تعليقات

عبد العزيز الزني 2 مارس, 2022 at 22:31

جميل ما تكتبين تمنياتي لك بالتوفيق

رد
المشرف العام 3 مارس, 2022 at 05:07

نشكر مرورك الكريم

رد

اترك تعليق