في طفولتي ذهبت مع أمي إلى بعض أقاربنا.. كانوا بعيدين.. كنا نسير على أقدامنا.. وأمي تشجعني على السير وتمتدح رجولتي وقوة تحمّلي.. وأنا أجتهد في السير حتى لا أخيّب ظنها.. ولكنني أقف في بعض الأحيان لألتقط أنفاسي.. وتقول أمي: (هانت.. اقريّب نصلو.. اقريّب نشرفو عليهم.. طوحة صنب).. وحين نشرف على المرتفع تمتد المسافة أمامنا مرة أخرى.. وتقول أمي: (بعد الغوط هذا).. وينتهي الغوط في غوط آخر.. وتقول أمي: (خلاص.. اقريّب يتوق البيت.. نفذة مشفى).. وأخيراً سمعنا نباح الكلاب.. ولأننا بعيدون عن الأسواق فلم تكن هناك حلوى ليعطوها لي كعادتهم في إهداء الحلوى للأطفال.. فأعطتني بنت عمّتي (زينوبة بنت مفتاح الكشلافي) دجاجة برشا.. الدجاجة البرشا هي السوداء المنقطة بالأبيض.. وحملتها في طريق عودتنا.. أخذت أملّس على ريشها وأنا أحس بارتعاشاتها بين يدي.. وشرعت أحلم بصوت مرتفع: الدجاجة تجيب دحية في اليوم.. بعد خمسطاشر يوم يبقى عندي خمسطاشر دحية.. بعد واحد وعشرين يوم يفقس الدحي.. ويبقى عندي خمسطاشر صردوك…).
بعد أسابيع تحقق حلمي.. كانت لدي حوالي عشرين بيضة.. فسألت أمي عن موعد تفقيس البيض الذي تأخر.. فضحكت وقالت: (الدحي هذا ما يجيبش طيور.. هذا موش دحي ديك).. لم أفهم ماذا تعني بقولها (دحي ديك).. وهل الديك يبيض أصلاً؟! وأحسست بخيبة أمل.. ولعنت كل الديوك في سري.
بعد سنوات.. فهمت أن بيض الديك هو البيض المخصَّب.. فبيض الدجاجة لا تخرج منه الصيصان إلا بعد أن يزورها الديك.. وأدركت أنه بلا ديك فلا صراديك.. فبالإضافة إلى جمال الديك فقد أصبحت له هيبة في نفسي.. وندمت على لعناتي التي صببتها على كل الديوك.