عندما ألقى الرجل بنفسه في و سط اليم، كان لم يكن لديه خيار امامه، فكان ليس لديه خيار في القبول او الرفض، هكذا كان واقعة مراهنة بينه و بين رفقائه، الذين لا خلاص لهم سوى التخلص من احدهم لإنقاذ السفينة من الغرق، نتيجة الحمولة الزائدة، فكان الرهان وقع على (يونس) هكذا و قع الاختيار دون رهان منه، ليكون وسط اليم الهائج تتقاذفه الأمواج، وسط بحر هائج لا مستقر له، ليلتقطه حوت عظيم في جوفه، لم يكن لديه تصورا قبليا او بعديا ان يكون وسط قدر، لم يكن في حسبانه ان يلاقى ذات المصير الذى لا طاقة عليه، و لا قدرة على تفادي هذه الواقعة التي لم يكن له دخل في وجوده .. فالبحر والحوت والسفينة، مخرجات كانت قدرية خارجة عنه .. وأيضا خارج تصوره .. كل هذا الكون بما فيه من موجودات محددة قبليا ..لم يساهم في وجوده ..وكذلك الوعى بما حوله لم يكن من صنعه .. هكذا نحى مثيل الكائنات الحية الأخرى التي ساعية في الوجود .. كان كل شيء من حوله مكتوب ولا دخل في تحديده .. هكذا وجد الرجل وسط بحر لم يكن من صنعه وحوت يسبح من حوله يهدد حياته .. هكذا وجد وسط مكان فهو وجد فيه ذاته دون اختيار منه ليقفز نحوه حوت عظيم لابتلاعه في جوفه .. لم يرقى اليه التفكير يوما انه سوف يكون في
بطن حوت لقد أدرك أن الحوت يتلمس الوجود من حوله وأن سعيه وراء الرجل هو كائن في طبيعة وجوده .. فالحوت هو تقدير وجودي له ..فكل كائن حي من حوله يسعى ولا يتوقف عن السعي وملامسة الوجود .. كان الرجل لم يتوقف عن تلك التراجيديا التي تحيط به أن يكون وسط هذا الوجود المأسوي .. نفى متواصل للعدم من حولنا .. والشعور بنفيه وسط بطن الحوت .. لقد أدرك الرجل أنه وسط دوامة مفزعة وهو يتخبط وسط بطن الحوت وأن النهاية قد اقتربت منه .. الرجل والحوت تلاقيا بالصدفة كما وجدت الحياة تدب وجوديا من حوله .. فالحوت لم يختار الرجل وكذلك الرجل كلى شيء تلاقيا مصادفة وجودية ..
كانا الحوت والبحر أمرين وجودين لا تحديد لهما هكذا وجدا ..وهكذا نحن ذات الموقف الذى نلتصق به فهو لا قدرة له النفاذ من بطن الحوت وكذلك نحن لا قدرة لنا من نفاذ الوجود .. هكذا وجدنا داخل دوامة الوجود .. وتظل معرفتنا لا تتعدى حدود ما كتب علينا وما قذف بنا نحوه.. وتظل معرفتنا محاطة بقدراتنا المحدودة قدريا .. هكذا وجدنا وسط دوامة الوجود الذى لا ينتهى ابدا عن الوجود .. معرفتنا لا تتعدى قدرة وجودنا المحددة قبليا .. لقدرة لنا عن تفسير عما فوق الوجود .. هكذا خط وجودنا من حولنا لأننا لسنا صانعين وجودنا ولم يكن لنا رأى في مصيرنا .. أن كل ما يجول في فكرنا وينغص علينا وجودنا هو : من نحن ؟؟ تلك المعرفة المطلقة هي خارجة عنا وتلامس حياتنا ووجودنا يظل لغزا محيرا نعجز عن فك طلاسمه ..وليس هناك وعى خارج ادراكنا المحسوس عنا ..فما يجرى من حولنا هو الحقيقة المطلقة ولا غير ذلك .. معرفتنا محدودة في أطار الزمان والمكان .. نحن قاصرون حتى على تفسير الحياة التي تجرى من حولنا .. أن الوجود والعدم هما الحقيقة الماثلة أمامنا وكذلك الحياة والموت ولسنا دائمون في الوجود الذى من حولنا ..وهكذا كتب علينا الوجود الذى لا يهدأ ابدا عن الوجود .. فألذى يظل قاصرا عن معرفتنا الوجودية يظل اللغز الأعظم الذى يفزع وجودنا .. أن المعرفة هي فيما وراء وعينا هي الجحيم الأعظم لوجودنا .. نحن نعيش في التيه العظيم الذى يلفنا من كل جانب ..من نحن ؟ وما هذا الوجود المحاط من حولنا يظل اللغز المبهم من حولنا .. ولا ندرك له أجابه .. خيالنا وفكرنا لا يخرج عن تصوراتنا الوجودية التي أمامنا .. كل وعينا متعلق بالوجود الحاضر .. كل ما يتعلق في الوجود الآخر يكمن في العلة والمعلول، ونحن لا نخرج عن دائرة الوجود في تحديدنا للموجودات .. نحن نعجز عن ادراك ماهية الخالق مالم يلامس وجودنا ..لا شك اننا نعيش في دوامة (اللاادرية) كما عاش (البكاؤون) وعم محاطون بجدار معبد (أثينا) يذرفون الدمع على وجودهم المحيط بهم الذى لفهم بمصيرهم في الوجود .. ليس هناك شيء يتعلق بالفاجعة سوى العدم .. فالعدم هو الفاجعة وهو المحرك لوعينا .. أن مأساة فكرنا هو اللاأدرية حول ماهية الوجود ..اننا لا نختلف كثيرا عن مأساة (يونس) فهو لم يستطيع النفاذ من بطن الحوت ونحن لا قدرة لنا من النفاذ بما حولنا ..نحن هكذا وجدنا وبعثنا دون أراد منا ونظل نجهل بما حولنا أو تحديد مصيرنا فنحن نعيش قبى فراغ عظيم ..نحن لم نختار وجودنا هكذا خلقنا ولا أرادة لنا في اختيار عنصر الحياة ..وهكذا عشنا في عبودية مطلقة .. وإرادة حتمية لوجودنا .. لم نختار هذا الوجود بل كتب علينا ..ولا نعلم شيئا عن مصيرنا ..سوى أننا دابة من دواب الوجود التي تسعى على هذه الأرض..