ذات مساء فكرت أن أحلق مع أسراب الطيور، لم تعد الارض تعترف بما اضعته في اقصى الارض، لم تعد السماء تعترف بما أضعته في أقصى السماء، الجميع تنكروا لي، الجميع رفضوا قصتي، حتى الليل رفض ان يعطيني اجمل الاحلام، لماذا لا تأتي الاحلام الجميلة الا في الهزيع الأخير من الليل؟، لم اجدك حتى وسط الاحلام، حتى الاحلام رفضت ان تستقبلني، نعم رفضت ان تجمعني بك، الجميع لم يصدقوا انك مازلت حيا، الجميع اكدوا لي انهم حضروا جنازتك، الجميع قالوا: وضعنا حبك في القبر، الجميع رفضوا حبي، الجميع قالوا : انك غرقت في البحر، الجميع شاهدوك على متن قارب، لم يكن القارب في الفجر يحمل اسما من الاسماء النكرة، كان يحمل اسما من اسماء العلم، اسم ليلى معرفة اصالة، كتب الاسم الدال على المسمى بخط غليظ، نعم كتب بالحبر الاسود، اسم القارب في الميناء “مجنون ليلى”، هو قارب مجنون يشق البحر بجنون، اعجبني الرسم على السماء، لقد وضع ذلك الفنان التشكيلي عدة اشكال لا تدل على اشكال، لكنها تدل على اسماء، حاول ان يجعل القارب في مأمن من العاصفة، شدني ان الفنان المجهول رسم على ذلك القارب، قلبا مفتوحا، هو قلب يشقه خنجر، لم أعرف لماذا وضع الخنجر وسط القلب؟ المهم اني صرت احمل وسط القارب، اي وسط الذكرى خنجر، أدافع به عن تلك الذكرى، لم يعجبني اللون الرمادي، من اختار ان يكتب اسمي بها اللون الداكن؟ كل العشاق يكتبون اسماءهم بالحبر الاحمر، المهم انه كتب، وهذا اعتراف بالحب وسط الحب، لا يوجد الا في اعماق البحر، الجميع قالوا ان عاصفة بحرية دكت ذلك القارب، اخذت اسمي بعيدا، غرقت كل الاسماء في البحر، أخذت ما رسمته على تلك الامواج الداكنة، الجميع شاهدوك تحاول أن تنقذ ليلى من الغرق في البحر، ذهب القارب بعيدا، ذهب الحب بعيدا، أخذته تلك العاصفة البحرية، الجميع اكدوا ان ليلى ماتت، الجميع شاهدوك تغرق مع ذلك القارب، تغرق مع تلك الالوان الداكنة، لم يعد يهمني مصير القارب، بل صار يهمني امر ذلك المجنون الذي رمى بنفسه في البحر حتى ينقذ اسم ليلى من الغرق، حتى ينقذ ذلك الحب في شكل عاصفة بحرية من الموت، الجميع قالوا ان المجنون لم يستطع ان ينقذ ذلك الحب الداكن من الذوبان وسط المياه الداكنة، بعد صراع مع الامواج غرق قارب الاحلام، غرقت كل الاحلام في البحر، لماذا أطلقت على قاربي اسم ليلى؟ الم تكن تتوقع أن تهب عاصفة ما؟، الم تكن تتوقع أن امام كل حب هناك اكثر من عاصفة لا تلغي عاصفة اخرى؟ الجميع قالوا ان نهاية الحب تكون مع نهاية العاصفة، لم اقتنع بما قالوا، كنت على اعتقاد راسخ بأن بداية الحب تكون مع بداية اول عاصفة، ليس من السهل ان يغرق قارب” المجنون” ليس من السهل ان تتخلى ليلى عن المجنون، ليس صحيحا انك لم تعد، ليس صحيحا انك عدت دون ان تنقذ قاربي من اهوال البحر، جميع الصيادين شاهدوك تعود …تعود بالحب بعد العاصفة، نعم اكبر الصيادين قال: شاهدت المجنون يحتضن ليلى؟ أتذكر العاصفة الهوجاء، اتذكر طعنة الخنجر في جسدي، لكن لا أتذكر اني استسلمت دون مقاومة تذكر، لا أتذكر متى فارقت الروح جسدي، لكن أتذكر متى فارقت النشوة فراشي، نعم أتذكر متى طعن الخنجر جسدي، متى تفيد الزمان وانا لا أدري في اي زمان، تركت الطعنات اكثر من وشم، صرت احب ذلك الوشم على صدري، صرت افتخر به امام عيون الصيادين.
لماذا لا يستقر ذلك النورس كالوشم في السماء على صدري، لماذا لا يستقر على صخرة واحدة في مكان واحد؟ لماذا ترفض كل النوارس البقاء في الارض طويلا؟ لماذا لا تفارق السماء كأنها جزء من السماء؟، هي لا تجد قوت يومها الا في البحر، هي لا تجد حبها الا في السماء، لماذا تنتقل من جزيرة الى اخرى؟، هل اضاعت فراخها؟ هل اضاعت عشها؟ هل مازلت تبحث مثلي عن حب ضائع في السماء؟ هي ما فتئت تبحث مثلي عن خاتم ضاع في التراب؟ هل صارت تبحث مثلي عن اثر كالجرح في السماء تركه ذلك اللون الداكن…بعد صراع مع الحوت الأزرق في اعماق المحيط، صرت ابحث عن ذلك الفنان الذي اختار ان يرسم مستعملا القلم الداكن، كانت كل الالوان، كل الاحلام، تجلس فوق تلك الصخرة، هو من رمقني بنظرة كالسهم؟ هو من أعطاني حبا كالبرق، هذا الحب كالرزق أتى من البحر، كالرزق نزل من السماء، لا استطيع ان ارفض هذا الرزق، انا مؤمنة اعترف بالنعمة اكره الجحود، الحب رزق سماوي، لماذا نسي الرسام ان يوزع الأرزاق بعدالة؟ لماذا انحاز نحوي، لماذا أعطاني من الحب اكثر من غيري؟ لماذا اختار ان يكون رزقي بعيدا، لماذا اختار ان يرسم وجهي بين الامواج؟، هو من امر القمر و السماء والنجوم ان تسجد اعترافا بحبي لك، في آخر الفجر…في اول النشوة تساقط رذاذ من المطر الباكر، ايقظ المطر كل نشوتي، تساقطت كل نظراتي في البحر، صرت في أول الفجر أبحث عن ذلك الحب الى اخر الفجر، يعصف الحب كالرعد؟ كنت واثقة انك تستطيع ركوب الخيل، كنت على ثقة كبيرة انك تستطيع الدفاع عن ارضي، نعم تستطيع الدفاع نشوتي، دعوتك ان نتسابق قبل اي يطلع الفجر، قبل ان تطلع النشوة، بدأ السباق، لكن يبدو صحيحا، لكل جواد كبوة، سقطت من أعلى الحصان، رفض حصانك ان يتقدم الى الامام، تراجع قليلا، ربما انهكه السباق على فراشي، هو يريد الوصول اليك قبل ان تبدأ الذكرى، بعد الذكرى، فارقت صهيل حصانك البني، لم اعد استطيع العدو خلف تلك الذكرى، هي هربت كما يهرب الحصان، هي بدأت كما يبدأ الفجر، لماذا تخلى حصانك فجأة عن فراشي؟، لماذا تخلى عن ارضي؟ لماذا صرت اعدو نحو الفجر بسرعة؟ لماذا تركت الحصان بعد الفجر؟ لماذا تتعمد تلك النوارس ان تحط أشلاء جسدي على ذلك القارب؟، لم يبق من تلك النشوة وراء النشوة الا بقايا من اخشاب تسبح دون هدف واضح، لم تعد كل الأهداف واضحة، لم تعد على قارب الحب الا بقايا من احلام تشق طريقها الى الشاطئ بصعوبة، وصل حطام القارب بعد سباق الخيل، بعد سباق النوارس، كانت معجزة حين شاهدت ان إحدى الأخشاب مازالت تحتفظ بالحبر، استولت علي الدهشة لان الحبر تغير لونه، صار لونه كالغروب احمر، لماذا غير الفنان اللون؟ لماذا غير شكل اللوحة؟ لماذا تخلى عن اللون الاسود؟ لماذا اختار اخيرا ان يكتب أسمي بالأحمر؟ هل لذلك دلالة ترتبط بالقلب؟ غرقت لوحتي في الالوان الحمراء تجردت من الالوان السوداء، مازال الفنان متمسكا بالقارب، مازال متمسكا بالحصان وسط البحر، يحمل الحصان اسم المجنون، صار يحمل اسم ليلى الى المجنون، لم ترفض الأخشاب في البحر، ان تتخلى عن بقايا اسمي يتحدى الامواج، عن بقايا جسدي يتحدى كل الالوان، صارت تحمل ما تبقى من ذلك الاسم، لم يستسلم اسمي، هو يرفض ان اغرق، هو يرفض موتي لا يحب موتي، هو يبحث عن ملامح شخص ضاع وسط السحب؟، هو يبحث عن حصان في السحب، حيرني امر النوارس المذعورة لا تحب الارض ولا تستقر في السماء. هي بين الارض و السماء، هي بين الصفا والمروى، تطوف ما تطوف، تسبح ما تسبح، تستغفر ما تستغفر، تبيت حتى في العراء، تجد في ذلك متعة لا توصف، صرنا مثل الحجيج، صرنا نرجم الشيطان، اندفعت نحوها، اعطيتها ثلاث نظرات، ثلاث حجرات، ثم سالتها: هل تعبدين النجوم؟ قالت: هل تعبد القمر ؟ كم قلنا للشيطان: نحن لا نعبد الا الله، ضحك الغراب على الصخرة قال: انت مجنون ليلى.