طيوب عربية

الأحلام ليست هي الأحلام

نورالدين بن بلقاسم ناجي (تونس)

من اعمال التشكيلي الليبي .. علي العباني
من أعمال التشكيلي الليبي .. علي العباني

ومرة فكرت أنك ذهبت مع أهل الكهف، هم قوم غرباء، لم تعجبهم حياتنا، لم يعجبهم تمسكنا بالأرض، هم اختاروا الحب حتى الموت، هم اختاروا النوم…يرفضون احلام اليقظة، يرفضون ان يشتركوا معنا في العيش، لم تعجبهم طريقة تفكيرنا، لجأوا الى ذلك الكهف، حتى لا نسرق منهم سعادتهم، لم ينهضوا منذ آلاف السنين، ظلوا مع احلامهم في الكهف، خلت أنك معهم، تراقب أحلامي معهم، لم أفكر لماذا اختاروا النوم؟ لماذا اختاروا الحياة في الكهف؟ لماذا اخترت ان تنام معهم؟ لماذا لم تخرج من الكهف؟ فكرت ان الحب يسكن في الكهوف، فكرت انهم بعد موتهم سيعودون احياء؟ هل تعود الارواح بعد موتها؟ هل يعود العشاق بعد سفرهم؟ هل سأجدك بعد موتي، بعد غيابي تنتظر متى ينتهي غيابي؟ هل يمكنهم العودة كما كانوا يرقصون ويغنون مثل البشر العاديين؟ كنت واثقة أنى سأعرفك، سأحبك لأني أعرف ما لا تعرف، عن تفاصيل حبي لك، هل ذهبت تبحث عن حقيقتي وسط غياب حقيقتي في اعماق الكهف؟ هل ذهبت تبحث عن روحي وقد عانقت روحك روحي.

بعيدا عن الناس، التقينا، بعيدا عن هؤلاء الغرباء افترقنا؟ الجميع شاهدوا أنك دخلت الى قبري في ساعة متأخرة، قبل صلاة الفجر، بعد صلاة الصبح، أحدهم أكد لي أنك تحبني، الجميع أكدوا لي بعد صلاة الحب أنك دخلت الى الكهف ولم تخرج، نعم لم تخرج روحك من جسدي، هل اضعت طريق عودتك؟ لماذا رفضت صلاة الجماعة؟ لماذا اخترت ان تصلي وحدك؟ لماذا قلت لهم: لكم دينكم ولي دين؟ أشعلت امام باب الكهف عدة شموع، وضعت البخور، اعتقدت ان مكانك مقدس، رفضت ان المس تلك الصخرة، اغوتني النفس الإمارة بالسوء، اغوتني بأن ادخل، اعترضني عنكبوت نسج بيتا خرافي اللون، رفض العنكبوت ان يدلني على مكانك، كما رفض ان يدلني على زمانك، ماذا لو كنت تسكن وسط بيت العنكبوت؟ هو بيت عتيق يدل على حب عتيق، اعتقدت انه باستطاعتي ان أهدم ذلك البيت، هو دون باب يدل على باب يأخذك الى الذكرى، هو دون نافذة تدل على نافذة تأخذك الى الذكرى وسط الذكرى، فكرت اني استطيع فهم ما ترك من فسيفساء، كان النسيج محكما يدل على فنان ترك امام الكهف اكثر من حب، ترك اكثر من اثر لا يدل على اثرك، لم افهم تفاصيل اللوحة، لم افهم تفاصيل حبك، تحب الموت وتريد الحياة، تريد الموت وتفكر في الحياة، لم أستطع ان اصل اليك بسهولة، الجميع اكدوا لي انك مازلت على قيد الحياة، مازلت تحبني على طريقة الغجر، لم أفهم ان العنكبوت كان يصون حبنا من الموت، جنبني ما تركه من نسيج غامض الملامح من الوقوع في الفتنة، الفتنة اشد من القتل، الفتنة في الحب مثل الفتنة في الحرب، اشتعلت الحرب، وحين اقتربت منك هاجمني العنكبوت، نهاني عن ارتكاب الاثم، نهاني عن الدخول اليك، احدهم شاهدك خلف بيت العنكبوت، شاهدك تسبح و تصلي وحدك؟ أليس أفضل ان تأخذني معك أصلي كما تصلي، أحب كما تحب، كنت متأكدة اثناء صلاتك أنك دخلت الى قلبي ولم تخرج كما يخرج كل العشاق مع طلوع الفجر، مع طلوع النشوة، اصلا، انت لا تستطيع ان تخرج من حب وضعته في اعماق الكهف، حب أدى الى صعود الروح من الجسد، كم مرة دعوتك ان تشاركني صومي وصلاتي وزكاتي؟ لماذا رفضت ان تخرج الزكاة على حبنا؟، الزكاة توسع الرزق، ينتهي الرزق بانتهاء الزكاة وينتهي الحب بانتهاء الزكاة، لماذا اخترت ان تصوم الدهر كله؟ كم مرة حاولت ان تنهض قبل ان تنتهي صلاتي، قبل ان ينتهي فجري؟ كم مرة حاولت ان تضمني؟ كم مرة حاولت ان تخرج الزكاة على حبنا حتى يزداد الخير، حتى يزداد رزقنا، حتى يزداد حبنا؟، اعرف ان تلك الصلاة شدتك إلى الارض. اعرف ان تلك الاحلام وسط الاحلام قادتك الى الكهف،

حدثني احدهم قال: شدتك وسط الكهف حورية بيضاء اللون، لها أجنحة كالطير، لها ريش ناعم نعومة النجوم في السماء ظلت تدور حول الكهف، صنعت في الهواء اكثر من دائرة، ازعجتني تلك الدوائر، أردت ان اتجاوزها، لا يمكن ان اختزل مسافة الحب اليك في دائرة مغلقة، ظلت الحورية تدور حول الذكرى دون ان تجد الذكرى نفسها، رفضت تلك الحورية ان تتخلى عن أجنحتها، رفضت ان تتخلى عن ريشها، رفضت ان تتخلى عن حب نسجه  العنكبوت، كما رفضت ان تتخلى عن بيت العنكبوت، رفضت ايضا ان تلمس تلك الصخرة، رفضت ان تجلس فوقها تراقب طيورك،  متى تعود الطيور؟ تراقب متى ينتهي العنكبوت من بناء بيته؟ تراقب بحذر متى يعود الحب؟ هي صخرة مقدسة، أشعلت امامها عدة شموع، اعتقدت ان المكان مقدس، لا تزوره الا الملائكة لا يزوره الا الانبياء، مكان لا يسكن فيه الا الغرباء، اغوتني الشمعة المضيئة بدخول الكهف، فكرت ان اقتل العنكبوت، فكرت ان اهدم ما بناه في عدة سنين، فكرت ان الحب وسط الكهف لا يمكن ان يخرج من الكهف، فكرت أنك لا يمكن ان تعود إلى الحياة من جديد الا بمعجزة، في الحب أكثر من معجزة، أحدهم شاهدك تغادر قبري مع طلوع الطيور من اعشاشها، فكرت ان عشك فوق تلك الصخرة العالية، لماذا رفضت ان تصلي مع كل العشاق، لماذا رفضت سقوط المطر؟ لماذا رفضت سقوط الحب؟

رفضت الروح ان تفارق الجسد، تعلقت الروح بالجسد، توغلت الطيور في السماء، توغلت الاحلام في الفراش، ارادت تلك الحورية أن تتمسك بأحلامها في العيش معك، في نفس المكان دون ان تجد مكانك، في نفس للزمان دون ان تحدد زمانك، لا يهم الزمان، الزمن هو زمن خروجك والمكان هو مكان عودتك، انت اخترت ان تموت في مكانك وانا اخترت ان احبك في زمانك ومكانك، انا اخترت ان أعود بعد موتي حتى اضمك الى عمري، انت اخترت قبري وانا اخترت قدري، انت رفضت ان تغادر الروح جسدي، ارجوك، زر قبري، زر ازهاري، زر روحي فهي تخفق فوق قبري، فهي مازالت تراقب طيورك فوق قبري، توغلت الطيور في السماء، توغلت تراقب اول الحب في الارض، تراقب اخر الحب في السماء في السماء اكثر من نجمة وفي العين اكثر من نظرة، تخلت السماء الصافية عن نجومها، تخلت الارض العذراء عن ازهارها، تخلت العين عن نظراتها، لكن عندما عدت الى الحياة بعد الموت، او الى الموت بعد الحب، اكتشف انك مازلت على قبري، مازلت تنتظر بلهفة طيور الصباح ،مازلت تنتظر بلهفة ازهار المساء، لا شيء يؤنسني في وحشتي الا انتظارك  امام الكهف، امام الحقيقة المجردة، احبك بلهفة، وحين اقتربت من نشوتك بلهفة، اكتشفت انك مازلت تقطف الازهار، مازلت تستعد الى الصلاة، مازلت تعبد النجوم في السماء، صارت النجوم كالأزهار، سقطت اخر نجمة، سقطت اخر دمعة، هيا انهض من كهفك اضمك الى صدري، هيا أفق من نومك، أفق من دهشتك، تبدلت الاشياء، صارت الاحلام ليست هي الاحلام.

مقالات ذات علاقة

الطاقة الرمزية في اللغة وتغيير المجتمع

إبراهيم أبوعواد (الأردن)

قراءة عاشقة في كتاب الصحفي المصري أيمن عبد العزيز (المغرب من قريب – يوميات صحفي مصري)    

المشرف العام

التمس خاتماً 

المشرف العام

اترك تعليق