التباس الهُويّة يلاحق الفائز بجائزة نوبل في حقل الأدب لهذا العام 2021، ما بين أصل عربي يمني من حضرموت، إلى إفريقي تنزاني، زنجباريّ المولد، إلى بريطاني اللغة والإقامة والعمل والكتابة. هذه الالتباسات كوّنت شخص عبد الرزاق قرنح العربي وأدبه وروياته وفكره، أو “غرناه” الأجنبي (Gurnah)، حيث الإنجليزية لا تفلح في الاحتفاظ بحرف الحاء، لتزيد المسألة التباسا فوق التباس بعد تغييب القاف واستبدال الغين به، تبعاً لأحد ألوفونات صوت القاف العربي الذي ينطق أحيانا غيناً في بعض مناطق إفريقيا.
هل يمكن اعتبار عبد الرزاق كاتبا عربيا ليكون الفائز الثاني العربي بعد نجيب محفوظ بهذه الجائزة في هذا الحقل التي يسيل لعاب كثير من الأدباء شرقاً وغرباً، شمالا وجنوبا للفوز بها؟ ربما سيكون هذا الفوز عامل تهدئة للخواطر العربية بعد عقود من فوز نجيب محفوظ بالجائزة عام 1988.
لا أعتقد أن عبد الرزاق عربي بأي حال من الأحوال، فلا لغته عربية، ولا مولده عربي، ولا موطنه الحالي عربي، ولا قضاياه التي يناقشها في أدبه عربية، كما يستشفّ من المواقع التي استعرضت إنتاجه، إضافة إلى أنه غير مترجم إلى العربية. لم أكن سمعت به لا في الصحف العربية ولا في الترجمات التي أقرأها. ولم أذكر أن اسمه قد ورد في أي مقال أو دراسة قبل اليوم، فيما قرأتُ وتابعت. لا شكّ في أنّ هناك من يعرفه بالتأكيد من الذين هم أكثر اطلاعا واهتماما، لكن هؤلاء لا يشكّلون جمعا غفيرا ليقول الدارس أن الكاتب معروف في غير بيئته.
نوبل هذا العام خيبت آمال كثيرين من الأدباء كالأديب السوري أدونيس، هل ما زال أدونيس يطمع في الحصول على هذه الجائزة؟ وما حاجته لنوبل؟ وهو أكبر منها ومن كثيرين أخذوها، بل إن أدونيس مقروء أكثر من كثيرين في الغرب وفي الصين. وفي العالم العربي. وأظنّ أن نوبل لن تضيف له شيئاً.
طالع: فوز التنزانى عبد الرزاق جرنة بجائزة نوبل فى الأدب لعام 2021
نوبل هذا العام ستوفر مادة خصبة للحديث إذ خيبت توقعات كثير من النقاد والمتابعين، فلم يكن عبد الرزاق التنزاني الإفريقي البريطاني العربي الأصل في الحسبان، ذهبت التوقعات أدراج الرياح، فقد وصفت لطفية الدليمي هذه النتيجة “بالألاعيب النوبلية” في منشور لها على الفيسبوك قبل أن تعدل العنوان، وتتخلى عن هذا الوصف، إذ يبدو أن أصدق حالات الكتابة هي حالة الخاطر الأول، قبل أن يراجع الكاتب حساباته، وتلجمه المعقولات والحسابات غير المعقولة. أما الكاتب علي حسين رئيس تحرير جريدة المدى، فتحدث في مقالة له عن تلك الخيبات العربية وغير العربية وسوق المراهنات على كتاب من الشرق والغرب، ليرى الكاتب “أن نوبل تكشف جهلنا”.
عبد الرزاق قرنح كاتب وروائي وأكاديمي غير ذائع الصيت عندنا نحن العرب، ولم يفز من قبل بأي جائزة، وإن وصل إلى القوائم القصيرة لبعض الجوائز، وهو كاتب غير مثير للجدل، لا يعرفه القارئ العربي ولا المثقف العربي ولا الكاتب العربي إلا في حدود ضيّقة جداً، لكن هذا الفوز سيخدم الجماهير العربية القارئة حيث سيكون بالإمكان قراءة شيء من إنتاجه، مترجما إلى العربية، وستكتب كالعادة عنه الصحف والمجلات والمواقع العربية، وسيصبح متداولاً على كثير من الألسنة.
ومهما يكن، فلا يسعني إلا أن أقول: حظّا أوفر للذين لم يفوزوا، ومبارك للكاتب البريطاني عبد الرزاق قورنة، بهذا الاسم المستقر في الويكيبيديا والمضاف إلى قائمة الحاصلين على جائزة نوبل في الأدب. لعلّ ذلك يُلغي سؤال الهوية والتباسها، ويسكته، أو على الأقل يتم التجاوز عنه، فليس بالأمر المهم أن يكون عربياً في سياق ولادة غير عربية وفي سياق ثقافة غير عربية كذلك. كما أنه ليس مهمّا أن يكون الفائز بالجائزة كاتب عربي خالص العروبة والفكر والنسب، فهذا الجدل الذي يعاد ويستعاد كل عام في حوليّة نوبل ولطميّتها لا ينمّ عن جهلنا فقطـ، بل عن هامشيّتنا وتطلعنا دائما نحو المركز الأوروبي لننال منه الجوائز والاعتراف وحق الوجود، فلم تغدُ التابعية سياسية فقط، إنما أدبية وفكرية بل شاملة، فيغمرنا الصغار والتشوف نحو شمس ليست لنا حتى عشيت العيون وعميت البصائر.
وعلى أي حال، وتجاوزاً عن حالتنا الثقافية المزرية التي تجعلنا دائما مستهلكين للمعرفة وليس منتجين لها، أقول: شكرا للأكاديمية السويدية على هذه المنحة الأدبية التي أهدتنا إياها؛ كاتباً لم نعرفه من قبل، لعلنا نستفيد جديدا من قراءته لو تمت ترجمته، فلا معنى لأي شيء أو هوية إذا لم يكن كاتباً إنسانياً مبدعاً. فالعالم كله يعاني من التباس الهوية، وليس فقط عبد الرزاق قرنح.