المهدئات والعقاقير خدّرت إحساسي وأفقدتني الشعور بما حولي.. قررت ألّا أتناول الحبة، لأجرّب الخروج بدونها.. لملمت الاشياء التي ستصحبني في الرحلة، ثياب السباحة، نظارتي الشمسية.. لأضع الرواية التي أوصاني زوجي بأخذها مع حاجياتي قبل أن أنساها وأتعرّض بعدها للومه واتهامه لي بعدم التركيز كعادته.. قرأت عنوانها (عندما تتداعى الأشياء).. اسم غير جذّاب في نظري لكن زوجي له ذائقة لا يختلف عليها اثنان كما يردد دائما…، آهة، كم كان يهينني ويصفني بالفارغة، ويبدي أشدّ الندم لأنه تزوج من امرأة لا تناسب عالمه
عند دخولي عليه في الشرفة كان يتحدث في جواله:
_عليك أن تقرأ الجزء الأول وتعطيني رأيك، رواية رائعة وتستحقّ القراءة
أنهى اتصاله بسرعة، نظر لي قائلا بحنو:
_صباح الورد حبيبتي.. هل أخذتِ الدواء؟
أجبت وشعور طفيف بالذنب يساورني:
_نعم
على الشاطئ جلس زوجي يمارس هوايته في قراءة الروايات.. وعلى مقربة منّا جلست سيدة حسناء على كرسيّ من السّعف تقرأ إحدى المجلات بمتعة هي أيضا، تنادي كلبها وتزجره أحيانا عندما يأتي ويجلس بالقرب من زوجي، تفحصتها بحسد وعجب…كيف للقراءة المملّة أن تشدّها وأمامها هذا الأزرق الدافئ بكل روعته وجماله؟ شعرت بألسنة الغيرة تلقحني عند رؤيتها لكنني قرّرتُ أن أستمتع بوقتي …. جهّزت نفسي لممارسة هوايتي المفضلة، سبحت بشغف …. أغمضتُ عينيّ لفترة طويلة جلبت فيها كل ما استعطته من راحة واسترخاء..
نظرت فجأة الى الشاطئ رأيته واقفاً مع تلك السيدة… يضع يده على كتفها وربّما يضعها على وجهها، لم أكن أرى المشهد جيداً عن بعد، لكنني متأكدة أنى ارى يده تلمسها، دق قلبي بعنف، غلت الدماء في عروقي، أغمضتُ عيني بقوة وفتحتهما لأتأكد ممّا رأيت…. لكن المشهد كان حقيقة من دون شكّ….. أخذتُ أسبح بقوة للعودة إلى الشاطئ…، أبصرته بأمّ عيني لا مجال للإنكار، ليست تهيئات كما يحاول أن يقنعني في كل مرة،
وصلت الى الشاطئ بعد أن نال مني التعب والإرهاق، أنفاسي ألتقطها بصعوبة وعضلات قدمي مشدودة بقوة تجعلني أتأوّه من الألم…نظرت إلى زوجي وجدته مازال يقرأ روايته…. الجلسة ذاتها، الاستغراق البادي على محياه ذاته، وكأنه لم يتحرك من مكانه، أصبت بالارتباك، رحت أنظر إليه وجسمي كله يرتجف…
نظر لي قائلاً بشكّ:
_هل أنت بخير؟
هززتُ رأسي أن نعم دون أن أنطق..، جمجمتي تكاد ان تنفجر …أكاد أُجنّ؟ هل رأيت؟ أم هي تهيئات كما كان يقول دائما؟
جمعت أشيائي للعودة الى البيت، عند جلوسي في السيارة، نظر زوجي الى أسفل مستهجنا:
_أين حذاؤكِ؟
تلعثمت، تضاعف ارتباكي.. رجعت الى الشاطئ، وشعور طاغٍ بالحزن يبتلعني، صرت أرى بوضوح فقداني القدرة على التصرف بصورة طبيعية دون ذلك الترياق اللعين…. لم أجد حذائي في مكانه !!…… يا الله … متأكدة أني وضعته هنا.!!. أفلتت مني نظرة فضول لم أستطع كبحها تجاه تلك السيدة….. قرأت عنوان الكتاب الذي كانت تقرأه.. كان الجزء الأول من رواية…. (عندما تتداعى الأشياء.)!