عندما انتصرت ثورتنا الجارفة كنت أتوقع مبتهجاً أن الثقافة الليبية ستحظى أخيراً بفرصة لاهتمام حقيقي استراتيجي منظم وواع ومسؤول وشامل، لكن خيبات الوزارتين الماضية والحالية المتوالية جعلتني أضع أملي في أن يكون (مجلس الثقافة الليبي) نموذجا لمؤسسة كبرى تحفظ للثقافة في بلادنا ولكم السحر والكنوز الشفوية والمخطوطات وخطط التنمية الجادة والفاعلة ماء وجهها، ولكني صدمت أيضا في تواصل مشروع المجلس (الذي كان ينجز فترة القذافي ويؤدي أفضل من أدائه الحالي لأغراض تلميع النظام للأسف) في النظر إلى ميزانيته كغنيمة يجب أن تصرف في السعي المحموم وراء حفلات ومعارض تناسب بنود الصرف ولا تناسب أي أثر مستقبلي مهم، ومازال المجلس يعمل بقاعدة (اللوبي) وتتجاهل الوزارة غير محددة الاستراتيجيات بقاء هذه المؤسسة التي يفترض أن تكون أكبر هيئة ثقافية في البلاد حالتها من التعامل بالفكر المدرسي، وكأننا أمام غرفة نشاط مدرسي أو أمام حفلة فسحة، فلا هيبة لهذا المكان إلا من خلال (الجيتو) الذي يدور داخله في حلقة مفرغة، تسودها التنظيرات التي لا يتحقق منها إلا ما يناسب المصلحة (مصلحة اللوبي وشيعته).
علينا أن نتوقف عند هذا السؤال: أليس هذا هو المجلس الأعلى للثقافة الليبية؟ أليس هذا هو مستودع الأفكار ومنتج الأعمال الكبيرة والمسهم في تعميم روح المعرفة والتعلم؟ فكيف يتحول إلى (مربوعة الأحبة).. تقوم على العزائم والصفقات والتفلسف البيزنطي العقيم، بينما مجالس الثقافة في الدول العربية تقوم بأدوار كبيرة وهامة تعود بنفع كبير ودائم ومتواصل وذي أثر على الحاضر والمستقبل واحترام الذاكرة، فليس المجلس هو السيارات والرحلات والعزايم، بل هو أكبر صروح الثقافة في البلد (هكذا ينبغي)، له رؤية نافذة وفعل على الأرض وإنجازات استراتيجية، فهو بحالته القائمة يذكرنا بجمعيات الهواة التي لا تخلو من المنافسة والأطماع والدسائس والتفكير الضيق المحدود.
متى سيعي المثقفون والمهتمون بالمعرفة والبحث أن هذا المجلس بهذا الشكل المتخبط الباهت هو عبء على الثقافة الليبية، يجب أن نعمل على تحويله من شكل المربوعة وأدائها إلى شكل أكبر مراكز التنمية الثقافية في الوطن.. رغم تحفظي على أن يفكر المثقفون الليبيون في ذلك، فكل يغني على ليلاه الحزبية والأيديولوجية والمصلحية، وتردد وراءه جوقات المنافقين والمعجبين والمتنفعين…
فهل بينكم رجل رشيد؟!