شكت لي قهر الرّجال لها، فقلت لها حسبك، كذلك أنا فجرٌ اعتصرتني العبرات، تألمت بشدّة، فهذه ليست المرّة الأولى التي أتلقى فيها سخرية أو نهرًا أو استهزاءً من أخي الأصغر، صدقيني تميتني معاملته، ولقد ضقت ذرعًا بمجتمع يبيح للذكر دكتاتوريّة رعناء يحاول بها أن يثبت أنّه قوّام، فأيّ قوامة تلك…
ولا أُخفيك عزيزتي أنني اشتكيت لأمي اليوم، أخبرتها أنني تحسبت عليه، فلم تلمني بل قالت بغيظ: “إن شاء الله فيك”، أدركت حينها أننا من نمنحهم حجمًا أكبر من احتوائهم لنا، ونذعن لأوامر همجيّة نحن من كتبها على بني جنسنا، فرضيت ما ارتضته لي أمي.
قالت لي: يتهموننا أننا نريد التّمرد والخروج عن الشّرع والعادات، فتعجَبْتُ قائلة: ومن قال أننا نريد أن نتمرد على العادات؟ نحن الودودات سنرتضي العادات ما كانت توافق شرع الله، فهل تمسكوا هم بذاك الشّرع؟ أم أن دينهم العادات المخالفات للدين ومتطلبات الحياة؟
قالت لي: هم من يخلق العادات، قلت لها: لا أخفيك، ألوم نفسي بقدر بغضي لتلك العادات، فلو تعمقنا لرأينا أن لغيرنا من جنسنا حريات ومباحات، ولكن لربّما أسرفن أو أسأن استخدامها ووقعن على توافه الأمور وعززن نظرة بني آدم لنا على أننا متنفس للرغبات والشّهوات ليس إلّا.
ما أريده أنا وأنت وكُلّ أولئك أن يخرج الإنسان بداخلنا، وأن يعامل جنسنا بمساواة الحقوق والواجبات والمسؤوليات، فأنا شريك يا ابن آدم ولست أمتك، وأنا وصية نبيك لك ولست سبيتك، وأنا نصفك الآخر ولست جاريتك، بل أنا الوطن والأرض وسماد الزّرع! أنا العرض والثّروة وأنا الكنز… فلماذا تطمسُ آدميتي بحيونتك؟
قالت: يقولون فلتبقي في البيت واتركي لآدم إدارة الأمور، فلا يجوز الاختلاط…
قلت: ولماذا يختلط هو؟ فليجلس بجانبي وأجالسه وليفنى العالم حولنا فلن نحتاجه.
بربِّك! ومن تكون أنت لولا المرأة بحياتك يا رجل، ولكنّي أشدّد أنها في حاجتك، فليس كلّ من حولنا بشر، أنا إنسان مثلك، وربّما وهبني الله ما لم يهبك وعقليتي خارقة، ولكنها تحتاج انضباط عقليتك وقلبًا حانيًا ولكنه يحتاج احتواء قلبك، أنا لست نصف المجتمع بل أنا كلّه، لا تشن عليَّ حربًا ولا تعاديني، بل هيئ مناخًا مناسبًا لإبداعي، واخلق سماء تليق بتحليقي، فأنا لست ضدك، وأوافقك أن هناك حيوانات لا تنظر إلينا إلّا كدمى ومجسمات، ولهذا أحتاجك أن تقف بجانبي لا ضدي، ولا أنسى ولا تنسَ شرعنا، وتذكر أن الشّرع والمشرع ما شدّد على الأمور إلّا لوقايتنا لا لطمس آدميتنا.
وأنا مع الشّرع كذلك، وفيه أن رسول الله -صلوات ربّي وسلامه عليه- كان يعمل بعمل أهل بيته، فلا تطلب شيئًا بل اخدم نفسك، ولا تختلط بالنساء بل ابقى في البيت معي حتّى تتبنى الدّولة مشروعًا للفصل لا يستثنيني ولا يستثنيك، وإلّا فلا سلطان لك عليّ، وأعدك أنك إن سجنتني في زنزانتك أنك ستحكم عليّ بالذبول ولن ترى لجنتك ثمارًا، بل جنة يعجبك منظرها ولا تصلك حلاوتها.
قالت لي: ومن يسمعك؟
قلت لها: صدقتِ.
“لقد أسمعت لو ناديت حيًّا… ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت… ولكن أنت تنفخ في الرّماد”