موسى الفاخري
كانت (عائشة) من أفضل وأذكى طالبات الدفعة في الكلية، دائماً ما تجدها منعزلة عن البقية لا تحب التزاحم والاختلاط الاجتماعي كثيراً. وكذلك كانت الفتاة الأولى والمتفوقة في جمالها أيضاً ليس في الدراسة فقط، (عائشة) صاحبة العيون البنيه والشعر الملفوف أسود اللون، متوسطة الطول ذات البشرة السمراء، و ذات الوجنتيّن الورديتين، صاحبة الوجود القوي والعقل الرزين..
كانت دائماً ما تحظى بالاهتمام الكثير والرائع من قبل زميلها (محمد)، الذي يكترث لأمرها على الدوام ولا يغيب عنها أو يقلل من اهتمامه بها بأي شيء يخص الدراسة أو يخصها بصفة عامة، حتى لو كان خارج أسوار الكلية. ولكي أكون منصفاً أكثر، وللتوضيح، كان يعشقها حد الجنون، كان كل شيء يفعله لأجلها يعتبره من واجب الحبيب على حبيبته..
ولكن زيادة اهتمامه بها والتقرب منها كثيراً كان يزعجها بعض الشيء، ويسبب لها بعض الأحراج أحياناً، وكذلك في الغالب لا ينتبه لوقت اتصاله بها، فكثيراً ما كان يتصل بها وهي جالسة مع أسرتها، مما جعلها تسجل اسمه في هاتفها (خديجة)، حتى عندما ترد على اتصاله بهذا الاسم يعلم أنها ليست وحدها وهناك من هو بالقرب منها..
كان (محمد) عفوياً جداً في تصرفاته مع (عائشة)، وكانت الأخيرة خجولة بعض الشيء، لا تمتلك الجرأة لتصارحه بما تراه منه من بعض المضايقات لها والتعدي على خصوصياتها..
رن هاتف (عائشة) فجأة ذات ليلة، فأجابته: أهلاً (خديجة)
فرد سريعاً: توقفي عن مناداتي بهذا الاسم فقد أصبح يزعجني.
فقالت له: إذا أزعجك الاسم؛ فأنا أزعجتني كثرة اتصالاتك بي.
فسكت (محمد) وكأنَّه أخذ على خاطره بعض الشيء، بل وأنصدم أيضاً من ردة فعلها ومن كلامها القاسي له، فقال: لا أحب أن أكون مصدر إزعاج أو إحراج لأحد و أغلق الخط..
مرت أيام عدة ولم يعود (محمد) للاتصال مجدداً بعشيقته (عائشة)، ولكن هيَّ بدأت تفتقده شيئاً فشيئاً، أصبحت تشعر بالوحدة بعد ابتعاده عنها. ثم مرت فترة أخرى تقارب ثلاثة أشهر على غياب (عائشة) عن محاضراتها دون سبب معروف، والامتحانات النهائية كانت حينها على الأبواب. فقرر (محمد) التنازل عن كبريائه والاتصال بها والاطمئنان عليها.
رن هاتف (عائشة) لتجيب بصوت يعلوه المرض: ألو…
فرد (محمد): أهلا أنا (خديجة) كيف حالك؟!
فبدأت (عائشة) بالضحك وقالت: أين أنت؟ فقد افتقدتك كثيراً.
فرد (محمد): أنا موجود، أنتِ ما سبب غيابكِ؟!
فقالت: أنا مريضة، ولكنني بدأت اتعفى واشفى، والآن في أفضل حال من قبل.
فقال: هذا جيد وهكذا ستعودين وسأعطيك كل ما فاتك من دروس وملخصات استعدادا للامتحانات..
وعلى مدرج القاعة في أول أيام الامتحانات، كان المشرف ينادي بأسماء بنات الدفعة ليتأكد من وجودهم جميعاً بالقاعة لتوزيع أوراق أسئلة الامتحان.. وكانت من بين اسماء البنات اسم (خديجة) ما نطقه المشرف حتى أجاب (محمد) بنعم وكأن الاسم يعنيه، فانفجرت (عائشة) عليه بالضحك ونظر له كل من بالقاعة باستغراب، فلم يستطع هو الأخر تمالك ضحكته على تهوره وغبائه وأصبح منحرجاً واضعاً يديه على رأسه، حتى المشرف أصبح يضحك عليه وعندما قدم له الأوراق قال له تفضل يا (خديجة) وأنطلق الجميع مرة أخرى بالضحك على اسمه الجديد..
فنظر إلى (عائشة) وهي تضحك عليه وقال لها حبي لك سيكون مبرراً وعذراً لأسامحك على كل ما سببته لي من أحراج، فضحكت ملء شدقيها وأدركت الحب الصادق الذي في قلب (محمد) لها، وكذلك أدرك (محمد) بعد كل هذه المدة أن (عائشة) فتاةٌ نادرة وثمينةٌ جداً، بل فتاة مثلها من الصعب أن تتكرر مرتين..