الطيوب
عبر مساء خريفيّ رائق وعلى أنغام آلتيّ القانون والكمان أفتتح معرض (إصرار) الفني داخل أروقة بيت إسكندر للفنون والثقافة في مدينة طرابلس القديمة، مساء يوم الثلاثاء الموافق 24 نوفمبر 2020م بحضور مبهج من أهل الفن والإبداع، وذلك بمشاركة ما يقرب عن 40 فنان وفنانة تشكيلي/ة من مدارس فنية مختلفة، لعل من أبرزهم “فاطمة الفرجاني” “أشرف سويسي” “نجلاء شوكت “مروة التومي” “جمال دعوب” “نور حريب ” والخطاط الشيخ ” إبراهيم المصراتي”، وكذلك شهد المعرض مشاركة عدد من المصورين الفوتوغرافيين بأعماله التصويرية، حيث عرضت أعمالهم التشكيلية وبعضهم يشارك بأعماله لأول مرة، والهدف من إقامة المعرض الذي تستمر أيامه حتى الـ7 من ديسمبر المقبل هو الإضاءة على التداعيات التي خلفتها جائحة كورونا وتأثيرتها السلبية على الفرد والجماعة داخل المجتمع من خلال اللوحات والصور المشاركة التي جسّدت مفردات الواقع الجديد والإستثنائي الذي فرضته ظروف تفشي الجائحة وحجم ما يتكبّده الأفراد من معاناة يومية منذ أن أعلن عن وجود الفيروس آواخر العام المنصرم.
وقد استطاعت الفرشاة والعدسة أن تُترجم لواعج الألم إلى بِركة ألوان وتُفتت القسوة على نحو مُدهش للدرجة التي يلمس فيها المتلقي أنين الثكالى وتلويحات المصابين بمناديل الوداع، فحالة الرصد التي يتبناها وعي الفنان عمومًا تجعله على محك الإصرار بصورة مطردة يتجلى بها المبدع بعرق روحه فنجد توظيفًا حيويًا للمحنة وإختبارًا ناضجًا لحركة الخطوط وتقاسمها مع ظلال الصورة لمساحة القماش، وبالتالي يظهر الإصرار كتحديٍ ضروريّ للمبدع ولأدواته الفنية كي يفتح أمام العالم كوّة جديدة يبعث في مرآتها يقينًا لا يقبل الجدل من أن الإنسان سينفض غبار أمسه ويمضي لغده وأن ما يمر به لا يعدو عن كونه كبوة علقت في حافر جواد.
وتحدثنا التشكيلية “نجلاء شوكت” عن مشاركتها في المعرض فتقول:جاءت مشاركتي بدعوة مقدمة من الأستاذ مصطفى إسكندر بعدما أعجب بلوحتي إظلام تام وهو عنوان يشمل اظلام العقل اللاوعي المتراكم بكثرة الوجوه المتداخلة المجهدة كتمرد على الظلم تمثل ليبيا ككيان قائم بذاته وهي المرأة المحملة بأوجاع الظلام والحرب في زمن الكورونا وفكرة المدينة تحتضن وتجلب لي رؤيا جديدة في الخلفية تربطها علاقة موازنة بالفراشية البيضاء.
وعن لوحتها الأخرى التي شاركت بها المعنونة بــ شبابيك تستطرد مردفةً :
لوحة شبابيك إطلالة من شرفات الوصل تُجمل المشهدية ، رسمتها بداية الإعلان عن جائحة كورونا في شهر مارس الماضي، كنت مازلت لم أشعر بهجوم كورونا على ليبيا لأنها كانت الدولة الوحيدة وقتذاك الخالية من تسجيل أية إصابة به، وكان الجميع مطمئن لكن التحولات التي مررنا بها غيرت الرؤية كليًا بعد الفقدان وضحايا الوباء أصبح كالعدو الفتاك خاصة أن أبرز ضحاياه هم الأهل والأحباب فخرجت بلوحة تشمل كل العلاقات بشكل له مصداقية في التقديم.
ويخبرنا الفنان أشرف سويسي عن طبيعة مشاركته فيقول: عندما دعاني القائمون على المعرض مشكورين للمشاركة أعجبتني الفكرة لما فيها من جانب توعوي بمخاطر هذه الجائحة التي تجتاح العالم ، كذلك يعتبر الفن في مرحلة الحروب و الأمراض نوع من التأريخ لهذه المرحلة ، و تسجيل لمشاعر الفئة الأكثر حساسية في المجتمعات لما يدور حولها من أحداث .
ورغم ضيق الوقت، نتيجة للإنشغال بمعرض دواية الذي قارب في موعده معرض اصرار، إلا أنني آثرت ألا تفوتني مثل هذه المناسبة التي تواكب مرحلة مهمة من تاريخ العالم وتاريخ بلادنا. .
ويستطرد مردفًا : شاركت بعملين ، عمل خطي، كتبت فيه شطر من بيت لامرئ القيس ( ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ) تفاؤلاً و دعاء بزوال هذا الوباء، ولوحة أخرى عن الوباء عافانا الله وإياكم ، وقد شرفني القائمون على المعرض بإختيار لوحتي الثانية كبوستر للمعرض.
ونقف عند الفنانة الواعدة “مروة التومي” التي قالت بأن مشاركتها الأولى قد جاءت بدعوة من القائمين على بيت إسكندر للفنون والثقافة وعدّتها الفنانة دعوة على قدر من الأهمية والقيمة فهي والكلام لها، أفادتني كثيرًا وشرّعت لي باب الفرصة لأشارك لأول مرة مع كوكبة رائعة من الفنانين اللذين لهم وزن في المشهد التشكيلي الليبي، لذا أشكر من كل قلبي بيت إسكندر للفنون على اتاحة هذه الفرصة لي.
وعن طبيعة التأثير الذي فرضته ظروف الحجر الصحي لجائحة كورونا عليها كفنانة أكدت: إنني دائمًا ما أنظر للنصف المملوء من الكوب فلكل أزمة ظرفية جانبان أحدهما إيجابي والآخر سلبي وهذا ما دفعني لأدرك أهمية الوقت في حياتي وأعتني بنفسي من الداخل أكثر فمارست هوايات جديدة وعلى نحو مختلف وسعيت لتطوير أدواتي سواء على الصعيد المهني أو الإبداعي وهذا بالتالي جعلني ممتنة للمعطيات الإيجابية والسلبية معًا، وربما من الصعب القول بأن لهذه الجائحة بُعد إيجابي لكن ما لمسته كان للإيجابية فيه مساحة ملحوظة.
وعن الأعمال التي شاركت بها في المعرض تستطرد : شاركت بعمل واحد بعنوان كلنا مرضى وكلنا متساوون فحاولت من خلال هذا العمل أن أوصل رسالتي على أرضية أن الفن فكرة سامية وأن يكون لعملي تأثير لدى المتلقي ورسالتي ليست قاصرة على أعمالي الإبداعية بقدر ما تشمل حتى الأعمال الأخرى كعملي كطبيبة وتواصلي المباشر مع شرائح متنوعة من البشر ولكل ذلك مردود وانعكاس صحي وإيجابي عليّ.
وبخصوص لوحة كلنا مرضى كلنا متساوون تعني لي الكثير فهي تمسني بصورة عميقة فقد تشكلت في أعماقي قبل أن أرسمها كونها مزيج فسيفسائي من المشاعر المتضاربة، خوف،قلق،ترقب،رعب عبر مواقف وأحداث عايشتها فسكبتها على جسد هذي اللوحة لذا لم تكن مجرد لوحة رسمتها وانتهى الأمر بل إني أحس بأني لم أرسمها بألوان أو تقنية معينة إنما رسمتها بخطوات روحي وعرق أحلامي.