أسماء مصطفى
نظر إلى ساعته، عندما بلغت الشمس قبة السماء والعرق يتصبب من جبينه، وتتدحرج حباته من بين كتفيه مكونة نهرا صغيرا أسفل ظهره.. إنها الواحدة ظهرا.. آه.. هو واقف في انتظارها منذ الثامنة.. ليس عدلا أن تتأخر بهذه الصورة.. لم يكن وحده.. جمع كبير ينتظر وصولها بفارغ الصبر.. سبحان مغير الأحوال أصبحت نجمة.. لها شأن كبير.. والكل يطلب ودها بعد ان كانت يوما ما نكرة.. بل رخيصة بلا قيمة ولا سعر.
أختلس النظر للرجل الواقف بجانبه، وجده يدخن سيجارته بهدوء حسده عليه، وكأنه رغم تأخيرها ودلالها المبالغ به، لم يسأم انتظارها ولا بانت على وجهه علامات الضيق من لسعات الريح الساخنة والجو الخانق، التي تضافرت مع قلق والترقب، وكونت حلفا تصعب السكينة والجلد أمامه.
انتبه الرجل لنظراته وتعجبه.. وقال له بحنكة الخبير.. المهم ان تصل.. كله يهون في سبيلها.. لقد أعتدنا ترقبها، بالأمس كنت هنا.. وقبله ايضا.. ولم أحظى بها.. أما اليوم فقد أكد الجميع وصولها.. اصبر.. واضح إنك لم تعتد هذا الأمر..
نعم!! هو لم يعتد هذا الأمر، كان أبوه هو من يقوم بهذه المهمة دائما، الآن فقط فهم نظرة أمه المشفقة عند عودته (رحمك الله يا أبي لم أكن أعرف إنك تحمل عني كل هذا العبء).. ظل يترحم على أبيه ويستغفر له إلى ان سمع جلبة بالقرب منه.. نظر إلى مصدرها.. ها قد اتت أخيرا.. سيارة النقل التي تحملها.. وصلت أخيرا… أسطوانة الغاز.