حاورها: سالم الحريك.
لابد من يوم يأتي ترد المظالم لأهلها وتكون دموعهم كدموع السحاب التي تبعث الحياة بصحراءٍ كانت بالأمس دوحة غناء بالأخلاق والقيم، فتظهر طيور الجنة من جديد ونشرب من نهر الفرات ونستعيد نبض الحياة من نبض الذكريات.
حوارنا مع كاتبة تحب أن تحافظ على خيوط الأمل في نهاية كل ألم لتقديم تصورات وحلولٍ واقعية للخروج من كل القضايا الاجتماعية الشائكة التي يعانيها الجميع والمرأة الريفية على وجه الخصوص.
اهلا بك؛ بداية من هي جيهان سعد الدين وكيف تحبين تقديم نفسك للقراء الكرام؟
جيهان سعد الدين كاتبة روائية مصرية صدرت أولى رواياتي هذا العام عن دار ضم للنشر والتوزيع وهي رواية (نبض الذكريات).
انا من اب وأم مصريين ووالدي كان ضابطاً في القوات المسلحة المصرية، دخلتُ كلية التربية قسم اللغة الفرنسية وعملت كمعلمة، سافرتُ خارج مصر مع زوجي وعملت هناك أيضاً، ثم ولبعض الظروف عدتُ إلى مصر واستقليت بحياتي وغيرتُ مجال دراستي تماماً ودخلتُ إلى كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية وعملت أيضا معلمة للغة الإنجليزية في بعض المدارس الخاصة، والآن قمتُ بإنهاء مرحلة التمهيدي في الماجستير في الأدب الإنجليزي وفي طريقي للحصول على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي.
في مستهل التعريف بنفسك نفهم أنكِ تحملين شهادتي ليسانس بداية اللغة الفرنسية وثم اللغة الإنجليزية وتحديدا الأدب الإنجليزي وتنوين أيضا تحضير الماجستير في الأدب الإنجليزي، ما التغير الذي حصل أم أنها رغبة جامحة لتعلم العديد من اللغات؟
في الحقيقة لم أكن أرغب بدراسة اللغة الفرنسية وإنما كان دخولي إلى قسم اللغة الفرنسية برغبة من الأهل، أما أنا فكانت رغبتي ملحة جدا لدراسة اللغة الإنجليزية خصوصا بعد رفض الأسرة لدراستي لتخصص العلاج الطبيعي لبعد الكلية عن منطقتي وما إن واتت الظروف وكانت الفرصة مناسبة دخلتُ إلى كلية الآداب لدراسة الأدب الإنجليزي وانا سعيدة بذلك وأشعر باستفادة كبيرة.
أفهم من ذلك أنكِ ممن يطبقون المثل الذي يقول اقرأ ما تحب حتى تحب ما تعمل؟
نعم هذا المثل صحيح جدا لأنك لو عملت في شيء لا تحبه فلن تبدع وسوف تضع عبئاً على نفسك وربما لن تستمر، عكس ذلك تماما لو أحببت ما تعمل أو أحببت مجالك الدراسي فأنت في هذه اللحظة تشعر بمتعة التعلم والعمل وإشباع رغبة وتحقيق هدف وستشعر أيضا بأنك غير مقيد أو مجبور على عمل شيء لا تريده.
وفي رحلة عودتي لدراسة ما أحب تعلمت الكثير من الأشياء وقابلتُ العديد من الشخصيات الذين أثروا بشكل إيجابي في حياتي وتعلمتُ منهم الكثير وكانت الأحداث تمر بسرعة والتطور متسارع في تلك الأيام.
ذكرتِ بأن الفتاة المصرية أو الريفية تحديدا مقيدة بقيود لا يمكن تخطيها، هل الكتابة بالنسبة لك هي المتنفس الوحيد لتخطي هذه القيود والتعبير عما تعانيه الفتاة الريفية؟
الكتابة كانت بالنسبة لي كطوق نجاة من قيود المجتمع عامةً، والكتابة تخرج ما تعانيه الفتاة الريفية من قهر و ظلم المجتمع أو الأسرة لها من خلال النظرة الضيقة فهي الفتاة التي يجب أن تكون متزوجة وان تتحمل ظلم وقهر الزوج ايا كان حتى ولو أدى إلى وفاتها وما عدى ذلك فإن النظرة لها ستكون مريبة وكأنها عار على المجتمع الريفي، فالفتاة الريفية ربما لابد أن تتزوج بمجرد وصولها إلى عمر محدد وليس بالضرورة أن تواصل تعليمها عكس الولد والذي يحضى بالنصيب الأكبر من الاهتمام والعناية.
ومما يحدث أيضا في هذا المجتمع أن الرجل يتزوج أكثر من زوجة واحدة تاركاً كل أعباء التربية والأطفال على المرأة باحثا عن نزواته ولا يلومه المجتمع ويلوم المرأة اذا ما ارادات الانفصال أو الاستقلال بذاتها فالشرع وضع شروطاً لهذا الأمر أنصف المرأة ولكن المجتمع الريفي ظلم المرأة أسوأ ظلم.
اذن ندخل الآن إلى طوق النجاة الخاص بك وهذا المتنفس الا وهي الكتابة، حدثينا عن روايتك الأولى “نبض الذكريات”؟
تسجل رواية نبض الذكريات واقع الحياة المصرية بشكل عام وواقع المرأة بشكل خاص فتبدأ الرواية بخيانة الزوج لزوجته في الغربة بالرغم من محبته لها إلا أنه كان مريض بحب النساء واستغل المرأة أسوأ استغلال وما إن تحاول المرأة الاستقلال بحياتها بعيدا عن الزوج حتى تتعرض للابتزاز للتنازل عن حقوقها المختلفة بعيدا عن الشرع والأخلاق وتتواصل أحداث الرواية فيتعرض أخ الزوجة أيضا لخيانة وسرقة من قبل زوجته، فتتحول الرواية إلى أن الفساد أو الأخلاق لا تقتصر على جنس بحد ذاته وانما قد تكون المرأة أيضا سبب الفساد الأكبر وقد تكون المرأة الظالم والمظلوم والضحية والجاني في نفس الوقت.
نفهم من ذلك أن محور الأحداث الأساسي في الرواية هي الخيانة؟
نعم محور الرواية هي الخيانة والفساد الأخلاقي بشكل عام فقد تناولت الفساد الأخلاقي من الجنسين سواء من الرجال أو من النساء واختلاف طبيعة الشخصيات التي تضع حدوداً للحلال والحرام والشخصيات التي لا تضع حدودا لذلك فتحدث خيانة الأمانة والخيانة الزوجية وفساد التربية التي نراها في شخصية أم الزوج والتي زرعت بذرة ظلم الزوجة وانتهاك حقوقها في شخصية ابنها، و كذلك مما تتناوله الرواية هي حالة الأمان التي يجب أن تبحث عنها المرأة الريفية في ظل عدم حصولها على أي حقوق أو مزايا تجعلها في حالة امان في حالة تعرضها للطلاق أو طلبها للطلاق بسبب الخيانة الزوجية و غيرها من الأسباب.
وفي الوقت ذاته تمثل الرواية ضوء من الأمل إلى أي فتاة تريد الوقوف على أقدامها وتحدي الصعاب والقيود التي يضعها المجتمع وان لا تستسلم للواقع الذي لا تريده حيث الظلم قد بلغ مبلغ كبير وهذا مالا يرضاه الشرع ولا الأخلاق ولا القانون على أن تكون الفتاة قوية في وجه الطامعين دون انزلاق لأي هفوات قد تضر بها.
نعلم أن الرواية حقيقية وتمثل في مجمل أحداثها، قضية عامة ولكن هل نستطيع القول بأنها سيرة ذاتية إلى حد ما؟
الرواية حقيقية وتمثل في مجمل أحداثها قضية عامة وبإمكانك اعتبارها سيرة ذاتية إلى حد ما لتسجيل وقائع موجودة فعلا على أرض الواقع في المجتمع الريفي وبها جزء كبير من أحداث عاصرتها، وعشتها ولكن في مجملها هي أحداث حقيقية لبعض ممن أعرفهم وعاصرت مشاكلهم ورأيت مدى معاناة المرأة بأولادها عندما لا يكن لهم أي مصدر للرزق أو أي مكان لهم بعد تجني الزوج والأهل على حقوقهن.
روايتك هي قصة واقعية وحقيقية، هل تفضلين هذا النوع من الروايات وستواصلين الكتابة على هذا النحو؟
لي رواية أخرى انتهيت منها مؤخرا وهي رواية “الكوكب الدري” وهي عن نساء فلسطين، وهي تمثل أيضا معاناة المرأة الفلسطينية الأرملة ومعاناة الأيتام ولكنني استخدمت فيها جزء من الخيال لصنع حلم جميل لمواجهة العدو المغتصب، فأمة من الأرامل أو النساء قادرة أن تنجب أمة من الرجال قادرين على تغيير الواقع تماماً، وربما أفضل في أعمالي القادمة بعض من الخيال لإضافة نوع من الثراء وانه لا يوجد مستحيل فالمرأة قادرة على صنع المستحيل ولكن بشرط اتباع المنهج السليم، بتربية دينية صحيحة وبإتجاه معاصر.
اذن جيهان ممن يحبون تقديم أمل في نهاية كل رواية ومخرج للقضية المطروحة، أو بالأحرى ممن يحبون النهايات الجميلة واشعال ضوء في نهاية النفق؟
نعم انا ممن يحبون إعطاء أمل لكل شيء، فالأمل دائما موجود والاستسلام للصعاب يؤدي لليأس ويؤدي إلى حياة محطمة تماما لا أقبلها سواء على الرجال أو النساء فيجب أن نجد حلا لكل شيء فلا يوجد شيء مستحيل.
المرأة أو الريفية تحديداً تعاني الكثير من الصعوبات وقد طرحتِ بعضها في روايتك نبض الذكريات، ولكن هل شخص قلمك الحالة بموضوعية أم نزف ردة فعل قوية ومبالغ فيها تجاه المجتمع أو الرجل تحديدا؟
طرح الرواية كان موضوعيا ولم يتجنى على الرجل وسردت الواقع كما هو وبتدرج الأحداث في الرواية ستجد أن الرواية بدأت بخيانة الرجل وانتهت بخيانة المرأة وأن كلا منهما دفع ثمن أفعاله فالخيانة لم تقتصر على جنس بذاته وانما في الطرفين بل تفوقت المرأة فيها احيانا على الرجل.
القارئ ربما بداية يعتقد بأن الرواية تتناول فقط الجانب الأنثوي ولكن مع مرور الأحداث سوف يكتشف أن كثير من الظلم الذي تتعرض له المرأة ليس من الرجل فقط بل من المرأة نفسها.
هل إخترتِ أن تكوني فقط كاتبة روائية وستواصلين طرح القضايا عبر قالب الرواية فقط؟
نعم سأواصل طرح كل القضايا في المجتمع سواء الخاصة بالمرأة أو الطفل أو الأخلاق أو الحرب و غيرها إلى جانب مواصلة مهنة التعليم ونشر الأبحاث لعلنا نكون سبباً في تحسين الواقع العام أو تقديم العبرة عبر ما نكتب أوننشر.
عادة ما يواجه الكتاب خصوصا في أولى تجاربهم من بعض الصعوبات، سواء في كسر حاجز الخوف من الكتابة مروراً بتجربة النشر لأول مرة، ما الصعوبات في هذه الجوانب؟
بداية الصعوبة تكمن في القضايا نفسها فأنت تقوم بتعرية المجتمع الريفي وما به من مشاكل فأنت كمن يضع رصاصة في قلب هذا المجتمع وتتثير قضايا يسعى الجميع إلى إخفائها، وهنا نواجه الرفض فهم يريدون إيصال فكرة البراءة في هذا المجتمع وهذا عكس الموجود تماماً.
اما في جانب النشر فالكاتب عادة يعاني صعوبة في البداية خصوصا وانه لم يعتاد على النشر ولم يكن له قراء من قبل وخوفا من التعرض للنقد فالأذواق تختلف هناك من يحبون الواقع وهناك من يحبون الخيال والعلم وغيرها، أما على الصعيد الشخصي في روايتي فالصعوبة هي في إخراج كمية من المعاناة الشخصية والاجتماعية والتجارب والأحداث وان تضعها على الورق وتخرجها للوجود وقد كانت مختفية أو غير ظاهرة، ولكن من جهة تذليل الصعوبات لقد كانت الكتابة في فترة دراستي في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وخاصة على يد أستاذي الدكتور اسلام أحمد الصادي وهو أستاذ الشعر والأدب الإنجليزي فهو من شجعنا على الكتابة فبدئنا بكتابة القصص القصيرة وننشرها على مواقع التواصل الإجتماعي فلقيت قبول لديه وقال بأنني أمتلك الأدوات التي تمكنني من كتابة قصة قصيرة أو رواية وهو كان المشجع الرئيسي ومن يقوم بمراجعة الأحداث خطوة بخطوة وتعلمتُ منه الكثير.
ومن ضمن الصعوبات التي تواجه الكاتب في أولى رواياته هي تكلفة الرواية لأن دور النشر تأخذ تكلفة الرواية من الكاتب لنشرها على حسابه باعتباره كاتب جديد فربما لا يمتلك قاعدة من القراء، وهناك دور نشر في حالة ما العمل نال الإعجاب أو فاز في مسابقة فإنه ينشر على حساب دار النشر وهي من تتولى الدعاية والإعلان والتوزيع ولكن نسبة الأرباح ستكون ضعيفة على كل حال.
هل أنتِ راضية عن اول تجربة نشر لك، سواء ظروف التعامل مع دار النشر أو العائد من وراء الكتابة؟
عند الانتهاء من روايتي أرسلتها إلى أكثر من دار نشر واجابوني بالموافقة وان الرواية مقبولة فتعاقدت مع أول دار نشر وكانت معاملتهم جيدة للغاية وتعاملتُ معهم ككاتبة مبتدئة بعدد محدود من النسخ المطبوعة، وكانت نسبة الأرباح 50%، وسرت الأمور بشكل جيد وكان الغلاف جميل ولكن المراجعة اللغوية لم تكن على القدر الكافي، يوجد بعض الأخطاء إلا أن العمل بشكل عام كان مقبولاً وكانت نسبة المبيعات جيدة بالرغم من الظروف المتعلقة بجائحة كورونا والتي أجبرت العديد من دور النشر على الإقفال والقيام بأعمالها عن بعد،
الآن هناك الكثير يعرفني والعديد ممن نقدو العمل منهم من قال أن العمل مسه بشكل شخصي وهناك من قال بأن الرواية انصفت الرجل على المرأة والعكس، أستطيع القول أن الرواية جسدت العديد من الشخصيات في المجتمع المصري أو الشرقي عموما فكلا منا وجد نفسه في هذه الرواية، أما على الجانب المادي بالتحديد فلم انشر لغرض الربح المادي فكان هدفي بالأساس هو الكتابة والتجربة بشكل عام لكنني اعتبر أن الجانب المادي كان مقبولاً.
شكرا لك جيهان على أمل أن نلتقي في أعمالك القادمة بعون الله تعالى.
كلمة أخيرة.
شكراً لك على الحوار وسنلتقي في أعمال قادمة بعون الله تعالى وتشرفت بالحديث معك وشكرا لكم جميعاً.