الاستاذ الدكتور: عبد الفتاح أحمد أبوزايدة
أخذ الفن القصصي والروائي يزاحم وينافس الفن الشعري في أدبنا العربي منذ مطالع القرن العشرين تأثرنا واستفدنا مما قرأناه في الأدب العالمي سواء في لغته الأم او ما وصلنا مترجما في الفن القصصي والروائي ثم استفدنا مما ورثناه في أدبنا العربي القديم مما يمت الي القصة بسبب.
وما أن انتصف القرن العشرون حتى وجدنا أعلاما في الأدب القصصي العربي، تنتشر أعمالهم في ربوعنا العربية، وتحظى بالاهتمام العالمي، بحيث وصل الاهتمام الي الترجمة.
كما أصبح أدباء القصة والرواية يتنافسون في تجويد أعمالهم ويحرصون على التناغم مع الانسان العربي في ظروفه وأحواله وقضاياه وهمومه، يتحدثون عن الواقع بعين الناقد ويستشرفون المستقبل بأمل المتطلع إلى الحياة الأفضل.
اهتم أدباء القصة بالإنسانية، ومنهم من جعل الطفل والطفولة محط اهتمامه، فالكبير كان طفلاً، والصغير يكبر، ومن هذه الحقيقة الثابتة كان الاهتمام بالطفل. ومن واقع هذا الاهتمام الأدبي كان اهتمام الباحثين والدارسين والنقاد بما ينتجه أدباء العربية من أدب يتعلق بالطفل ومنشأته وتربيته وكيفية الوصول به إلى ان يكون إنساناً واعياً عملياً يجيد التعامل مع الحدث وأسبابه ونتائجه.
وبين أيدينا كتاب هو أطروحة دكتواره بعنوان: (الدور الريادي للأديب الليبي خليفة حسين مصطفى في أدب الأطفال) للدكتورة “حنان الصغير أبوالقاسم شوية”.
وقد عرفت حنان وهي طالبة جامعية، درست على يدي مسافات متعددة في الأدب والنقد في مرحلة الليسانس أو البكالوريس، وكنت أرى فيها مثالا للاجتهاد وحب الدرس، والحرص على الحوار، والاستفادة من المحاضرة او ما يدور حولها من قضايا، وكنت أشجعها على مواصلة الدراسة، وها هي اثبتت إنها عند حسن الظن بها، فعقدت عزمها حتى نالت درجة الدكتوراه بامتياز وهي تستحق ما وصلت إليه.
رأت أن من واجبها الاهتمام بالأدب الليبي، فاطلعت كثيرا مما كتبه الأدباء الليبيون، واسترعى انتباهها ما يكتبه الأدباء للطفل مع ندرة هذا النوع من الأدب، فمالت إلى دراسته وانحازت الي ميدانه، ووجدت ان الأديب “خليفة حسين” قد أحسن الكتابه للطفل، فجعلت ما كتبه محط اهتمامها، فكانت أطروحة الدكتوراه لدراسة الأدب.
وما نجاح الدكتورة “حنان” في رسالتها هذا النجاح الباهر إلا لأنها صممت إنجاز بحث جامعي علمي جاد تحقق فيه بعض طموحها، وتفرح بتغريد إرادتها فيه، وإني لأعلم إنها عانت وقاست وتعبت في القراءة والتنقيب الدقيق عما يخدم أطروحتها فيما كتب حول أدب الطفل وفيما حوته ثنايا كتب النقد، فكانت تجمع المادة العلمية بدقة الباحث الواعي، وتوازن وتستدرك وترى، فابتعدت عن النقل المقيد، ونأت عن التقليد الذي لا تنضج الأفكار معه، بل كانت لها قراءتها الكثيرة المتنوعة فيها يتعلق بالطفل بصورة عامة، وكيفية الاستفادة منه في بحثها، فكانت القراءة الواسعة العميقة، والرؤية البارعة الدقيقة، والإخلاص للكلمة، البانية للفكرة أساسها قوي في نجاحها الذي حققته في أطروحتها، وشهد لها أساتذتها في الإشراف والمناقشة.
وأنا أشهد لها بالإخلاص في عملها من خلال استفساراتها وأسئلتها وهي في مرحلة الكتابة، وكنت أجد من خلال الحوار الدائر بيننا أنها لا تكل ولا تمل من القراءة في كل ما يمت الي موضوعها بصلة في النقد واللغة والتربية، مما أهلّها فعلا ان تخرج ببحث علمي يستحق الإعجاب والتقدير.
وهي في أطروحتها، عرّفتنا بجانب مهم في الأدب وقربت إلينا علماً بارزاً من أعلامه، مع حديث عن واقع الطفل في المجتمع العربي والليبي، ووقفت بنا على أهمية ما يكتب عن الطفل في الأدب وضرورة التوسع في هذا الباب.
ومن خلال اطلاعي على بعض ما كتبت رأيت أنها أجادت أسلوب الكتابة العلمية، فأعطت كل جانب حقه المطلوب في الدراسة، وأسندت الآراء النقدية الي أصحابها، وكان وعيها النقدي والأدبي كافياً لان تظهر شخصيتها العلمية البحثية في الأطروحة.
وأنا لست أهدف في هذه المقدمة العاجلة أن أقدم نقداً لما كتبت، او ان أوجه القارئ الي كيفية التعامل مع الأطروحة ولكن من جانب إحقاق الحق، أقول ان هذه الأطروحة جديرة بالقراءة والانتشار لما فيها من فوائد جمة في نقد أدب الطفل، وبما تفتحه من أبواب أمام الباحثين في هذا الميدان.
وفي الختام أقدم التهنئة الطيبة للدكتورة حنان بإنجازها العلمي هذا الذي كان ثمرة جهود عبر أعوام لم تقل عن الأربعة بين الكتب، وما تطلبته من تمحيص ودقة نظر وتحقيق هدف.
1/7/2019