.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، نعت وسائل الاعلام المحلية رحيل الاستاذ الفنان “محمد الزواوي” حينما كان يتلقى علاجه في المانيا، وكنت من بين من كانوا غاضبين بسبب ماكانت تنشره صحيفة “صباح أويا” من رسومات كاريكاتيرية مذيلّة بتوقيعه، تترجم ماتنعق به أجهزة إعلام الطاغية، فهي تدين تدخل “الناتو” او تترجم رسما ماتروج له الأبواق بشكل ساذج، ورسومات باهتة.
حينها كان الشباب ينسلّون من بيوتهم تاركين وريقات لأمهاتهم، تدل على وجهتهم صوب الجبهات، وكانت سجون طرابلس تزدحم بالثوار؛ ممن لايعرف عنهم ذويهم ان هم لايزالون أحياء أم لا، كما تعذر عليهم جميعا الوصول الى أية طريق تمكنهم من الابلاغ عن اختفائهم، فالسؤال يعني الإدانة للسائل، والإجابة ألم ودموع حائرة إلى حين التحرير.
لقد تصادف إقامة حفل تأبيني للراحل “الزواوي” في الهيئة العامة للصحافة، مع إعلان وفاة صديقه “محمد طرنيش” الذي شجعه لرسم مغاير، بما كان ينشره من مقالات تتجاوز كل الخطوط، في صحيفة “مال وأعمال” ما دعا الرقيب إلى كتابة تقريره حول رسومات “الزواوي” التي تأخذ منحى سياسيا، ولما رأه فيها من شك وريبة حول مضمونها، فأجرى تحقيق معه تم قبل عامين من وفاته -وهو ماعثرت عليه عندما تطوعت عقب التحرير في لجنة استلام مقرّ الرقابة على المطبوعات- حينما أجاب الفنان بأن عنوان اللوحة هو “القتل” ويقصد مجزرة ابوسليم، التي راح فيها إبنه، وإبني اخته وآخرين من اقاربه، وبأنهم لايريدون التعويض ولكن معرفة القاتل، وأن لديه العديد من اللوحات التي تتناول مواضيعا مهمة وخطيرة، قد تنشر مستقبلا، وأنه قد تقدم به العمر، مايجعله لايكترث بشيء، فالوقت قد حان للتعبير لا الصمت، معلنا “انني لااستطيع ولم أفكر في ذلك منذ عشر سنوات سابقة”.
كان قد زودني -مشكورا- الصحفي الجرئ “طارق الهوني” بنماذج من تلك اللوحات في شكلها الأصلي، ثم بما أدخله عليها الرقيب من تشويه، الى جانب مامنع من النشر لرسومات ساخرة؛ تتهكم على تعويض أسر شهداء ابوسليم، أو انتشار حمى “ازالة لغرض التطوير” التي عاثت في البلاد فسادا، كما أفاد الفنان “اشتيوي صالح” وهو يغالب دموعه بشهادته الأمانة، التي أعلنها في محاضرتي حول “حرية التعبير وسطوة الرقابة” نهاية الشهر العاشر من العام الماضي، بأن الأستاذ الفنان أوصاه شفاهة، بأنه ترك رسالة في رسوماته تلك، ماقبل رحيله، والتي سيدرك معناها كل رسام، بما يدل على الاضطرار والاجبار في التنفيذ، فالألوان ليست ألوانه، والأغلال طوقت معصمه، والإجبار كسر ريشته…و… لتغفر لنا روح الفنان الذي ظلمناه.