طيوب عربية

مراجعة رواية شهوة الشر

إيمان محمد – مصر

رواية شهوة الشر

تأليف: محمود عبد الحليم.
الناشر: دار بصمة للنشر والتوزيع.

تدور أحداث الرواية حول أمجد وكيل النيابة ذي المكانة المرموقة والسمعة النظيفة الذي يتلقِّي رسائلًا من مجهول يهدده بفضح ماضيه المظلم الذي اعتقد أنَّه أخفاه جيِّدًا، ليبدأ هذا المجهول ملاعبته بطرق عدة لإثبات جدِّيته وقدرته على تنفيذ تهديداته. هكذا تُصور لك الرواية في بدايتها، أنك على موعد مع رواية من النوع البوليسي وأنَّك ستبدأ في حل وتجميع عدد من قطع الأحاجي والألغاز لتصل إلى صاحب الرسائل. تبدأ الرواية التنقل بين الماضي والحاضر، تستعرض ماضي أمجد وأفعاله السابقة ثم تنتقل للحاضر حيث يتلقى رسالة جديدة أو يمارس عمله كوكيل للنيابة أو غيره.

لم يقتصر التبدُّل والانتقال في الرواية على المشاهد بين الحاضر والماضي، بل تطوَّر الأمر إلى أن يقطع الكاتب مشهدًا ما دون إنهائه وينتقل إلى مشهدٍ آخر جديد لا تدري رابطه بما قبله وكأنَّه وُضِع في غير مكانه، ثم يعود لتكملة المشهد الأول في صفحات متقدمة، كما يضع المشاهد الغريبة في سياقها الصحيح في أحداث متقدمة، وهو ما يضع عقلك في حالة من التشتت ويتطلَّب منك تركيزًا شديدًا وذاكرةً قوية تسترجع ما فات من أحداث بما يشبه الأحجية، ولا يمكننا اعتبار هذا عيبًا بل من الممكن أن نعترف به ميزة وأسلوب ذكي للكاتب، إلا أنَّه كان من الممكن أن يُدار بشكلٍ أفضل مما كان عليه، بحيث لا يسيطر على القارئ تشتت وعدم فهم لمدة طويلة تدفع معها قارئًا ملولًا إلى العزوف عن إكمال الرواية.

ظلَّت أحداث الرواية تسير في إطار واقعي إلى أن اتخذت منعطفًا يحوِّل الرواية إلى مسار الخيال العلمي قبل النهاية، حيث استخدم فكرة تعدد الأكوان والعوالم الموازية المبنية على نظريات وقوانين فيزيائية ليجعل أمجد يسافر إلى نسخته في العالم الموازي ويضع نهاية للرواية، وهو ما بدا لي مستنكرًا لعدة أسباب:

1- لم يتم التنبيه على وجود خلل في حياة البطل يجعلنا نشك بأننا نتابع عالمين مختلفين إلا بعد أكثر من نصف الرواية.

2- الظهور العجيب والمتأخر لشخصية العالم عماد وعدم وضوح دوافعه لمساعدة أمجد وأحمد من قبله على الانتقال كأن يكون دافعه تجريب اختراعه عمليًا مثلًا، ناهيك عن عدم توضيح كيفية اختراع جهاز كهذا ومن أين له بالمعدَّات والتمويل في شقة عادية في أحد الأحياء.

3- شخصية صاحب الرسائل ظلَّت مبهمة حتى مع ظهوره ومواجهته لأمجد قبل النهاية وتسطيح دوره الذي اعتبرناه محوريًا وانتظرنا معرفته منذ بداية الرواية، كل ذلك في سبيل النهاية الخيالية التي طرأت على الرواية فجأة.

برأيي كان من الأفضل لو استمر الكاتب في الإطار الواقعي ووضع نهاية ملائمة لسير الرواية ولم يتفرع إلى الطريق الخيالي الذي كان مليئًا بالثقوب، فبالرغم من روعة الفكرة إلا أنَّها في غير مكانها.

كذلك يوجد مشهد لم يتم وضعه أو تفسيره في سياق متقدم كالبقية وهو مشهد لقاء أمجد بصاحب الرسائل في المصنع المهجور وهروبه منه، مشهد غريب وغير مُفَسَّر ولو تم حذفه لن تتأثر الرواية بأي شكل.

نقطة أخرى يجب التعليق عليها وهي إيراد أجزاء طويلة نسبيًا من الكتب العلمية في الرواية، جعلنا نخرج من حالة الاندماج في الأحداث ونشعر بضيق حتى أننا نقفز تلك الصفحات ونتخطاها، فكان من الممكن حذف تلك الأجزاء والاكتفاء بالتنبيه على النظرية المستخدمة في مقدمة الفصل كباقي الفصول، أو تضمين شرحها ومعناها في الرواية بشكل مُبسَّط ومفهوم دون إيراد نصها الحرفي المعقد.

جاءت لغة الكاتب فصحى بسيطة وسهلة، مؤدية الغرض إلى حدٍ ما، لا نصفها بالقوة والتمكن ولا بالضعف والركاكة، بعض الألفاظ لم تكن في مواضعها الصحيحة وهي قضية يضيق الوقت عن ذكرها هنا تفصيلًا، كما أنَّ وصف الانفعالات التعبيرية المصاحبة لحوار الشخصيات لم يكن مُتقنًا وظهر مفتعلًا ومبالغًا فيه بعض الشيء.

ملحوظة: نوَّه الكاتب عن وجود قائمة من الإيضاحات عبر صفحة خاصة بالرواية على الفيس بوك لتغطية النقاط التي لم يتسع ذكرها في الرواية، ولكن لا أعتبر هذا كافيًا لتعويض بعض النقاط المهمة التي وجب ذكرها في سياق الرواية نفسه، خصوصًا أن الكاتب ذكر في التنبيه ذاته أن النقاط التي سيوضحها عبر الصفحة لن تمس أو تؤثر في أحداث الرواية.

مقالات ذات علاقة

(دفاتر الوراق) رواية جديدة للروائي جلال برجس الزمن الجديد

المشرف العام

ما يعنيني!!

راوية الشاعر (العراق)

سلطة المجتمع وفلسفتها الحياتية

إبراهيم أبوعواد (الأردن)

اترك تعليق