بعد الصلاة
خرجنا من الجامع
أنا وشيخي
كان الجو دافئاً بعض الشيء
أنسام الرياح تداعب شجرة الليمون القابعة بإصرار أمام باب المسجد.
رائحة زهر الليمون تحيي القلب.
“لقد أمطرت كثيرا هذا اليوم.” كدت أن أقول لشيخي.
الذي كان ليرد “المطر بركة الخالق”.
ولكنني لم أقل شيئا.
صمته المهيب يمنعني من التحدث.
اتجهنا بتمهل صوب الغرفة التي نسكنها معا.
جامعنا يقع في حي المغاربة.
يفصله عن سكنانا زقاق ضيق وطويل.
“هذه المدينة مليئة بالأزقة والبيوت المظلمة”.
أحال المطر الزقاق إلى بحيرات صغيرة وجزر من الأوحال والطين.
لم تفلح السحب الداكنة في حجب قرص الشمس
ثمة ضوء يتراقص على سطح الماء.
تخيلت قاربا مقيداً بمرفأٌ فسيح
مفتوحٌ على بحر لا حدود له
“ما أجمل النوم على صفحة الماء”.
تناهت إلي أصوات صبية صغار يتقاذفون بكرات الوحل
و رائحة توابل تتسلل من البيوت
ثمة خيال يتراءى من بعيد..
اقتربنا
لمحت عيناي على عجل ملامح أنثوية
فتاة جميلة ترتدي ثيابا نظيفة..
ابتسامة خجولة رسمت شفتاها
يدها النحيلة تلتصق بصدرها
بدت محتارة و مترددة في كيفية العبور بين الأرصفة..
……….
اقتربنا
غضضت البصر…
جالت عيناي في فوضى الطريق
أوحال تتقافز وتلتصق بأحذيتنا
لازالت رائحة زهر الليمون تلاحقنا
وفجأة…
تقدم الشيخ منها….
مد ذراعيه لها، وببطء وحرص حملها حتى الرصيف الأخر.
صعقتني المفاجأة…
غاص قلبي
جف حلقي.
وارتعشت يداي
ولم أقل شيئا.
واصلنا السير بصمت…
انشغلت بحذائي الذي ازداد اتساخا
وبالأوحال التي كانت تتطايرا وتتراكم
وبعد عودتنا إلى الخلوة…
لم أعد أحتمل
فاقتربت منه
مخترقا بصعوبة جدار الوقار الذي يفصلنا…
وقلت….
– سيدي الشيخ…
“ألا تعلم إننا نحن الزهاد لا نقترب من النساء ولا نلامسهن؟ ألا تعلم الخطر في ذلك؟”
ساد الصمت قليلا و ثقيلا..
أقترب الشيخ منى
وضع يده برقة على كتفي، ثم قال
– أنا يا بني أنزلت الفتاة هناك.
فلم أنت….. لا تزال تحملها؟
انتابني السكون فلم أقل شيئا
إحساس مبهم سري في وجودي
اهتزت الستارة في الركن…فاستدرت نحو النافذة
كان المطر ما يزال منهمرا… وكانت الأوحال تزداد تراكما.
ورائحة زهر الليمون تعطر المكان.
* مستوحاة من حكاية تراثية..
* lawgali1@hotmail.com