سرد

رواية الحـرز (17)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

مدينة غدامس (الصورة: عن الشبكة)

17

أرضعت الصغير.. زودته بحاجته من حليبها.. تركته يلهو أمام ناظريها.. يحاول ان يخطو أكثر من خطوة ليصل الى مبتغاه.. يفقد توازنه.. يواصل مسيرته زحفا.. يصل هذه المرة.. يبحث عن هدف جديد يقف مجددا.. يسير.. يسقط.. يزحف.. يصل.. يعيد الكرة.. كان ذهنها مشغولا فيما قاله الكهل الغامض.. مرت القيلولة دون أن تشعر بحاجتها الى طعام أو إلى شراب.. تذكرت قوله لها:

  • هناك من يهمه اختفاء رضيعك.

من كان يعني بقوله؟.. هذا ما كان يشغلها.. اخرجها مما شغل ذهنها وصول الشقيقة.. سمعت نداءها من شرفة البيت.. حملت الرضيع النائم وصعدت الى سطح البيت.. كانت ممتقعة الوجه على غير العادة افترشت فراشين من جلد الغنم.. شرعت الشقيقية في الحديث:

  • كدت أموت رعبا.. خشيت أن يصيبك مكروه.. ها حدثيني كيف سارت الامور؟.. هل دلك على وسيلة استرجاع رضيعك؟

نفت بحركة من راسها كل تلك الاسئلة.. قالت:

  • يبدو أن الأمر أعقد مما كنا نعتقد.

حدثتها بكل ما جرى بينها وبين الكهل الغامض.. استغرق ذلك منها وقنا.. بعدها قالت الشقيقة:

  • هيا بنا الآن لمجلس النسوة.. يجب أن لا يلحظ احد كثرة غيابك..
  • ماذا عن الفقيه؟ – أيهم فهم كثير؟.. هذه الواحة تخرج من الفقهاء اكثر مما تنتج من التمر..هيء هيء هيء .

كانت تلك مشكلة اخرى.. ستبحث عن حل لها بعد عودتها من مجلس النسوة.. حملت الرضيع النائم..غادرتا الى مجلس نسوة العرش.

انه المكان الذي اعتدن الجلوس فيه صيفا.. فهو اوسع من مجلسهن الشتوي الأشبه بغرفة غير مسقوفة تفاديا لتيارات الهواء الباردة.. أما هذا فخال من الجدران اذا استثنينا جدار بارتفاع قامة طفل.. توزعت نسوة العرش على المكان.. انشغلت اياديهن بحياكة الحرير او صنع الاطباق السعفية أو المراوح المطرزة.. اما الأفواه فقد انشغلت بتبادل النكات وشيء من الغيبة.. أما الآذان فتلتقط كل ما يقال.
بعضهن اصطحبن أطفالهن الصغار.. عجوز نصف مقعدة في طرف المجلس تراقب بعينين كليلتين غير راضيتين كل ما يجري أمامها.

 جلستا حيث انتهى بهما المجلس.. شرعت في حياكة الحرير لواجهة بلغة نسوية.. كان ذهنها مشغولا بما صبه فيه الكهل الغامض.. تسترق النظر بين فينة واخرى لجارتها.. تلك التي نصحتها بزيارة العجوز الكهل.. كانت تحتل مكانا مواجها لها.. كان من الصعب عليها تفادي نظراتها النارية.

 توقفت الالسن عن الحديث فجأة.. تصلبت كذلك الأيدي عن العمل.. تعطلت كل حواسهن.. انتبهت حاسة السمع فقط.. حدث ذلك حين قالت إحداهن:

  • هل سمعتن اغرب شيء وقع اليوم.

انتبهت كل حواسها.. تبادلت مع شقيقتها النظرات.. اضافت المتحدثة بعد ان نجحت في لفت انتباههن:- اختفى الكهل الغامض اليوم فجأة.

تساءلت الشقيقة:

  • أي كهل تعنين؟
  • ذلك الناصب خيمته خارج الأسوار.

قالت إحداهن :

  • يختفون فجأة كما يظهرون . عادت الأيدي للعمل من جديد.. أضافت:
  • الغريب انه اختفى ولم يترك خلفه أي أثر.

توقفن من جديد الامر هذه المرة يستحق اهتمام اكبر .- يقول زوجي إنه قضى حاجته فلا داعي للبقاء أكثر.
سالت الشقيقة:

  • وما حاجته يا ترى؟

أجابت المتحدثة :

  • يقول زوجي ليس الغريب اختفاؤه.. بل الغريب انه اختفى بعد ان التقى بأحدهم.

ران صمت بينهن.. تبادلن النظرات.. حثتها احداهن على الافضاء بما عندها:

  • يشك زوجي انه التقى بامرأة متخفية في ثياب رجل.

هنا التقت نظراتها بتلك الجارة.. كانت هذه المرة نظرات بدى عليها الارتباك.

سالت احداهن :

  • وما حاجتها للتخفي؟

تكلمت العجوز لأول مرة قائلة:

  • حاجتها للكتمان جعلها تتخفى في زي رجل.

سألت امرأة أخرى تشارك لأول مرة في الحديث الشيق الدائر:

  • متى اختفى الكهل الغامض؟

أجابت :

  • يقول زوجي انه رأى خيمته منصوبة قبل آذان الجمعة..

سألت اخرى :

  • ومتى اكتشف اختفائها؟

ردت في شيء من الحدة:

  • قال انها اختفت بعد الصلاة وقد التقى في طريقه بتلك المرأة المتخفية قبل الاذان وهو متأكد إنها ذهبت لملاقاة الكهل في أمر ما.

حل الصمت من جديد.. قطعته العجوز بعد أن ضحكت:

  • هيء هيء هل سألته عن سبب زيارته للكهل الغامض؟.. اخشى انه يبيت امرا ما هيء هيء.

ضحكت النسوة.. اكتفت هي بابتسامة شاكرة العجوز على تدخلها لقلب مجرى الحديث في مسار مختلف..غادرت المرأة غضبى.
اضافت العجوز:

  • إذا أراد التخلص من زوجته فلن يفلح ألف ساحر وساحر هيء هيء.

تعالت الضحكات مرة أخرى.

مقالات ذات علاقة

صندوق التجاهل

عزة رجب

لابد أن تقول أن البطل لا يموت

محمد الأصفر

على الدرب نفسه الذي امتشقني مراهقاً

المشرف العام

اترك تعليق