يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…
13
توقفت أمام مدخل الخيمة السوداء.. أحكمت تثبيت لثامها.. اطمأنت على هيئتها الرجولية.. تنفست بهدوء لتستعيد رباطة جأشها.. تنحنحت.. دخلت.. انسدل خلفها الستار.. حلت عتمة مخيفة.. تراجعت خطوة.. سمعت صوتا جهوريا يقول لها:
- لا عليك.
توقفت لتتبين مصدر الصوت.. جلس هناك خلف كانون ضخم.. جمراته كانت مصدر الضوء الوحيد بالخيمة.. بالكاد تبينت شيئا من ملامحه الكئيبة.. رائحة بخور غريبة تملأ الخيمة.. بعد ان الفت عيناها الرؤية القت عليه التحية بصوت اجتهدت أن يبدو ذكوريا.. تجاهل الرد.. جثت أمامه.. انتظرت ان يسمح لها بالحديث.. لكنه لم يفعل.. رفع رأسه أخيرا.. استنشق المزيد من البخور.. تأملها بعينين مخيفتين ذكرتهما بعيني العجوز الهاربة..
قطع الصمت بصوته الجهوري:
- لا تخافي..
ضحم ملأ فمه بضحكة كريهة… لا تدري كيف اكتشف هويتها.. لكنها تعلم ان هذا لن يكون صعبا على من يمتهنون مهنة كشف الاسرار… اضاف:
- لا حاجة لك باللثام في حضرتي.. لن يعرفك أحد هنا.
انزلت لثامها.. لم يرفع رأسه عن جمراته المتوهجة.. قال:
- ما حاجتك؟
- كيف عرفت أني لست ر….
جلجلت ضحكته مجددا..لم تكن كريهة هذه المرة بل مخيفة أيضا:
- هذه فراسة احسد عليها اينما حللت.. ما حاجتك؟
- ابني.
- ما به؟
- فقدته؟
رفع عينه عن جمراته.. نظر لها لأول مرة.. نظر لها مليا.. سألها:
- كم عمره؟
- رضيع.. لم يتجاوز….
قاطعها مجددا في حماسة:
- متى ضاع منك وأين؟
تنحنحت.. قالت:
- استبدلته امة الخفاء
توقف عن همهماته.. تفحصها مجددا.. أضاف مسحوق البخور للجمرات… التهمته بشراسة.. اندلعت سحابة كريهة.. قال مادا لها يده المعروقة:
- لقد سبقتني مرة أخرى.. اعطني تميمتها؟
اخرجتها من ثيابها.. تناولها.. فتح غلافها الجلدي بمدية موسومة النصل برسوم غريبة.. أخرج من باطن الغلاف الجلدي ورقة كئيبة المنظر.. استرقت اليها النظر.. كانت تحوي رسوما غريبا بلون حسبته أحمر قان يميل للسواد.. رمى بالورقة في كانونه.. اندلعت سحابة أخرى اكثر كأبة من سابقاتها… طردها بمروحته قال:
- لم تعد بك حاجة لها.
كان الغضب بادٍ على وجهه.. اضاف بعد ان أطلق سحابة بخور أكبر من سابقاتها:
- لقد وقعت ضحية مكيدة عجوز غامضة.
- مكيدة؟
- نجحت في استدراجك لتستبدل الرضيع.. بهذه التميمة فقط يمكنها النجاح في مهمتها.
سألته في لهفة:
- يف استرجع رضيعي؟
توقف عن التحديق في جمراته.. نظر اليها مجدداً.. قال:
- كنت اطاردها.. سبقتني بخطوة.. ابنك كان الرضيع السادس.. مازال امامها رضيع آخر لتكمل مهمتهاكان علي الاسراع إلى هنا.
- مهمتها؟
تجاهل الرد.. واصل التحديق في جمراته والهمهمة لها.. قاطعته:
- كيف استرجعه؟
- الامر صعب.. صعب جدا.
- هل هو حي؟
- انه الآن نصف آدمي ونصفه الآخر ينتمي لأمة الخفاء..
حبست دمعها.. استجمعت شجاعتها.. واصلت سيل أسألتها:
- – هل يمكن استرجاعه؟
اضاف مسحوقه الغريب لكانونه المتقد.. أجاب:
- – لهذا أنا هنا.. إياك أن يحدث مكروه لرضيعهم.. رضيعك بخير ما دام رضيعهم كذلك.
- – كيف لي أن اثق بهم؟
- – لا تملكين غير ان تثقي بهم.. هم ايضا يحتاجون لك.. حافظي على الرضيع.
- – والثعبان الأسود؟
- – لا تخشي منه.. انها تزوره للاطمئنان عليه فقط..
- – كيف استرد رضيعي؟.. مرت اربعة اشهر الآن على استبداله.. كيف يمكنني الاطمئنان عليه؟
- – علي الوصول إلى العجوز قبل أن تنجح حيلتها وتستبدل طفلا سابعا.. حينها سيصعب الامر.. سيصعب كثيرا.. كثيرا جدا.
أصاف بعد سحابة بخور أخرى
- – هناك من يساعدها على انهاء مهمتها.. احذري المحيطين بك.. من بينهم من يهمه اختفاء رضيعك.
ارتفع آذان صلاة الجمعة من مساجد الواحة.. انتابته قشعريرة.. صرخ ممسكا راسه: :اغربي عني الآن هيا اغربي. نهضت مسرعة.. صرخ مجددا:
- – انتظري.
رمى لها بصرة صغيرة.. تلقفتها.. قال لها:
- – اذهبي الى الفقي.. اعطيه الصرة واخبريه قصتك.. لا تعودي الي.. هيا اغربي.