عبد السلام الزغيبي
بينما كنت موجودا في معرض القاهرة للكتاب اتصل بي صديقي ورفيق المدرسة “محمود الفلاح” على الفيس بوك وطلب مني بعد التحايا والسلام، أن أقتني نسخة من ديوان شعر أصدره إبنه “حمزة الفلاح” وقال لي: ”يهمني رأيك فيه“…
كانت مناسبة سعيدة بالنسبة لي ومفأجاة في نفس الوقت، لم أكن أعرف أن لديه أبن كبر وصار شاعرا، فقد غادرت البلاد منذ سنوات طويلة.
المهم أتجهت الى جناح دار نشر “المكتبة العربية للنشر والتوزيع بمعرض القاهرة للكتاب” ومديرها صديقي “جمال عبد الرحيم” الذي يعمل على تشجيع ونشر إصدارات الشباب الجدد. أقتنيت الكتاب أوالمجموعة الشعرية الأولى للشاعر الليبي حمزة الفلاح بعنوان “حـارس المدينة المتعبة”. وبدأت على عجل في تصفحه من الغلاف للغلاف.. ومن خلال إطلاعي على صورة الغلاف التي تضم طائر محبوس في قفص على هيئة وجه انسان، قلت في نفسي اني امام اشعار تعبر عن انسان حزين متعب يعيش في مدينة متعبة.
أجلت أمر الكتاب وأنشغلت بالاطلاع على محتويات الكتب في أجنحة دور النشر العديدة، وأشتريت منها ما يمكن وضعه في حقيبة السفر وشنطة اخرى صغيرة.. وبعد رجوعي الى أثينا، بدأت في تصفح الكتب التي وصلتني كأهداء من كتابها، وبمجرد الانتهاء من قراءة أول الروايات، عزمت أن البي رغبة صديقي محمود، وأطلع على المجموعة الشعرية التي حملت عنوان “حارس المدينة المتعبة”، فوجدت أن المجموعة الشعرية تضم 80 قصيدة موزعة على 124 صفحة.
في الديوان الاول وفي القصيدة التي تحمل عنوان “متى ينظر الحائط الى ساعته؟”، يقول الشاعر:
أمارس موتي اليومي في عزلة تشبه القبر،
العادات ذاتها،
والاشياء ذاتها،
تدور على نفسها،
والحنين يعبد طريقا للذكريات.
وفي القصيدة التي تحمل عنوان “الموتى يهرولون في قاع المدينة” يقول الشاعر:
يهتفون بقصائد في الشوارع الميتة،
ويتقاسمون مع الكلاب نباحها فوق الارصفة،
هم الشعراء في هذه المدينة
ليسوا سوى جيف معلقة على اسوارها
وفي القصيدة التي تحمل عنوان “رؤى” يقول الشاعر:
الحرب تمتهن الموت على اكمل وجه
تقتل من كان برفقتنا اليوم
وتدفن من كان بالامس.
وفي قصيدة “يزوره ليلا ليضحك على بكائه” يقول الشاعر:
لا أفصح عما يخالجني..
هنا بصحبة الموت أحيا
فلا شئء يضاهي شعورك ايها الوحيد
وأنت تصافح النهاية ولا تعبرها.
وفي قصيدته التي عنونها بـ”الجدار الثاني”، نراه يكتب ويقول:
وأنا في طريقي الى الحب يوما..
ظللت الطريق، كنت أقل حظا من الذين سبقوني اليه.
قبل أن تعلمني الحياة.. مهارة الموت في إخر الليل.
وفي قصيدة بعنوان “حديث الظل” يعلن الشاعر موته، فيقول:
لم يمت احد من الطرفين
فهل بوسعي أن أقف منتصبا كـظلي
واقول أن الحرب أنتهت.
لم يمت أحد من الطرفين
أنتصر الجميع
ومت أنا.
ويستمر الشاعر على هذا المنوال، حتى يصل بنا الى القصيدة التي أختارها لتكون عنوانا لمجموعته الشعرية الاولى” حارس المدينة المتعبة” والذي يقول في أبياتها الاولى:
لايفكر الشاعر في موته،
فهو يسرع في طريق الجنازة كل يوم
مقتقيا أثر الدموع التي تتساقط
من أعين الموتى.
من خلال أطلاعي على مجمل النصوص، أجد أن أغلب نصوص المجموعة الشعرية، متزامنةً ومترافقة بشكل كبير مع الظروف القاسية التي شهدتها ليبيا بصورة عامة ومدينة بنغازي حيث يعيش شاعرنا الشاب..بصورة خاصة، ومعبرة في نفس الوقت على ما مرت بهِ ليبيا من صراعات شكلت ملامح هذه القصائد.
ورغم قصر تجربة الشاعر الشاب في الحياة، فان قضية الموت، تشغل حيز كبير من قصائده، إذ أستعان برموز أستطاع أن يجسّد عبرها رؤيته للواقع والتاريخ وما فيهما من موت حقيقي أو معنوي تفرضه القوى المتسلطة على الإنسان الذي يريد أن يحيا حياة تخلو من القتل والدمار وتعمر بالحب والوئام.
المؤكد أن أغلب قصائد المجموعة الشعرية، تطغى عليها نبرة السوداوية والحزن والتشاؤم، لكن ما أجد له مبرر سطوع وتسيد النغمة السوداوية، هو أن هذه القصائد قد كتبت في السنوات ” 2014 – 2018″ وهي السنوات العجاف التي عاشها سكان مدينة بنغازي.
اجمالا، فان هذا الديون الشعري الاول “حارس المدينة المتعبة” هو أفضل تعبير حقيقي صوره قلم “حمزة الفلاح” عن معاناة جيله الذي ولد في سنوات حكم القذافي، وما تبع تلك السنوات من ثورة، أنتظر الشعب منها الكثير، لكن بمرو الوقت، فقدت البوصلة وعاشت المدينة فوضى عارمة..أحرقت الأخضر قبل اليابس.
هذا الشاعر الشاب، أعتبره من وجهة نظري، يمثل ولادة صوت شعري جديد مبشر، يذكرني بالشعراء العرب الكبار من أمثال، عبد الوهاب البياتي، ومحمود درويش، ومحمد الشلطامي، وربما قد تاثر بهم بشكل كبير، من خلال الاطلاع على قصائدهم واشعارهم…