الطيوب
ناظم هذه القصيدة الشهيرة، هو الأستاذ “علي محمد أحمد” الذي درّس اللغة العربية في مدرسة بنغـازي الثانوية خـلال الأعوام الدراسية المبتدئة من 1951 إلى 1954.
ولد الاستاذ على محمد احمد في إحدى قرى طنطا بمصر عام 1918، وتخرج في دار العلوم بالقاهرة عام 1946، وعمل بالتدريس مدة من الزمن، منها ثلاثة أعوام في بنغازي مطلع خمسينيات القرن العشرين، وله ديوان شعر مطبوع، وسلسلة من قصص الأطفال، كما فاز شعره ببعض الجوائز، أشهرها جائزة صادرة عن جريدة (المساء) في القاهرة عام 1957، وتوفي عن عمر بلغ أربعين عاماً في 1958.
قصيدة (من وحى سوسه)
ومـن شعر الاستاذ على حمد، كله تظـل قصيدة (من وحي سوسة) هي الأشهر، وتحتوي على ما يقارب خمسين بيتاً، نظمها بعد عودته من رحلة قام بها في تلك الأيام الطلاب والمدرسون في مدرسة بنغـازي الثانوية إلى مدينة سوسة.
وقد نشرها في صحيفة البشائر في عددها الصادر يوم: 27 / 7 / 1953 و أهداها إلى (شاعر ليبيا الكبير أحمد رفيق المهدوي).
أرأيت سوسة والأصيـل يلفّها في حلّة.. نُسجت من الأضواءِ ؟
أمّا أنا فلقد أُخذت بسحرهــا لمّا وقفتُ هناك ذات مسـاءِ !
حدقت في أرجائها من شرفتي فعشقت منظر هذه الأرجاء
البحرُ يبدو من أمامـي موغـلاً في الأفق، والجبل الأشمُّ ورائي
والشمسُ تسكب في الغروب أشعةً حمراء فـوق اللجة الزرقـاء
هبطت إلى سطح المحيط فنصفهـا يبدو عليه، ونصفها في المـاء
عزمت عن الكون الرحيل فخضبت أفاقه بدموعها الحمراء
وهنا على شطان سوسه يالها من جنة سحرية الإغراء
نامت على البحر الجميل كظبية مذعورة هربت من الصحراء
عذراء في يوم الزفاف تهيأت للعرس وانتظرت على استحياء
يسرى نسيم الليل طلقا ناعما ينساب بين رياضها الفناء
وعلى التلال أشعة وردية سالت كأقداح من الصهباء
وعلى النخيل من الأصيل غلالة فتانة الأصباغ ذات بهاء
تبدو الطبيعة فيه أجمل ما تري في سائر الأرجاء والأنحاء
يا بحرُ أغفي أهـلُ سوسة كلهم وتمردّت عيني على الإغفاء
لم يبق غيري في الشطان ساهراً تحت الظلام مفرّغ الأحشـاء
أعرفتني يا بحر أنى صاحب لك منذ عهود طفولتي البيضاء
كم همتُ في الإسكندرية شارداً أفضي إليك بحيرتي وشقائـي
وهنا بسوسة قد لقيتك ثانيــاً وكذا الحياة تقاربُُ وتنائـي
بح لي بنجواك القديمة وارولى سر الحياة وقصة الأحياء
حضنت شواطئك الحضارة طفلة فحفظت منها اغرب الأنباء
وعرفتَ ما للشرق من فضلٍ على أجناس أوربـا ومـن آلاء
ورأيتَ (طارق) عابراً في فُلكه يطوي عليك غوارب الأنواء
وكتائب العُرب الكـرام وراءه ويرق فوق الأوجه السمراء
صِفْ لي بربك كيف أقلع ركبهم نحو الشمال.. فإنهم آبائـي
حملوا الهدى والنور في أيمانهم للمغرب وهو يعيش في ظلماء
يا أرض سوسة في خميلك شاعرُُ يشدو، وأنت خميلة الشعـراء
أقبلت انشد في هدوئك سلوة وهربت من صحبتي ومن أعدائى
فرشت من فمك الصفا سلسلا وشعرت بالسلوى تعالج دائى
رفقاً بزائرك الغريب وإن أكـن فيما ذكرتُ وقعتُ في الأخطاء
أنا لا أرى المصري حيث يقيم في أهليك معدوداً من الغربــاء
إن العروبة أمـةُ ُ مهما نــأت دارُ ُ، برغم تعدّد الأسمــاء