الفنان محمد مرشان
شخصيات

الْفَنّانُ الرّاحلُ مُحَمّد مُرْشَان… خَلّدَهُ فَنّهُ فِي الذّاكِرَة المُوسِيقِيّة اللّيبِيّة

فسانيا

فاطمة سالم أعبيد


رحل الفنان الليبي ”محمد مرشان” مخلفا تاريخاً حافلاً من العطاء الفني الرفيع، وفي عددنا هذا نهمس له بوفاء مستذكرين مسيرته الفنية مستعرضين عطاءه الرائع . مؤسس أول فرقة موسيقية غنائية يعد الراحل محمد مرشان من الرعيل الأول من الملحنين الليبيين الذين أسسوا ما يسمى بالأغنية الليبية المعاصرة والتي بدأت في فترة الستينات رفقة كاظم نديم ومحمد الدهماني وإبراهيم أشرف وغيرهم حيث بدأ مرشان مطربا في الخمسينات وله كثير من الأغاني المعروفة في ليبيا وكان رئيساً لفرقة الموسيقا بالإذاعة في الفترة ما بين 1960-1963 وقام بتأسيس أول فرقة موسيقية غنائية متكاملة لأداء فنون نوبة المألوف بالإذاعة واكتشف الكثير من الأصوات أشهرها الفنان محمد رشيد.

– محطات مهمة في حياة الراحل محمد مرشان

ولد الفنان محمد حسين مفتاح مرشان عام 1929م بالمدينة القديمة باب البحر شارع سيدي سالم طرابلس الغرب لوالده البحار مفتاح مرشان، عاش طفولته في أسرة مكونة من أربعة أفراد ورغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي كانت تعاني منه أغلب فئات الشعب الليبي إبان فترة الاستعمار الإيطالي إلا أن ربّ هذه الأسرة استطاع بمثابرته أن يكفل الحد الأدنى على الأقل من العيش الكريم لأفراد أسرته التي كان يسودها روح المودة والألفة والتعاون حرص البحار حسين مفتاح مرشان على أن يتعلم ابنه قراءة القرآن الكريم وحفظه فألحقه بجامع الزرقاني الكائن في حومة غريان بالمدينة القديمة ثم انتقل إلى جامع حورية الواقع في قوس الصرار أمام المحكمة الشرعية بالمدينة القديمة فنهل من هذه المساجد ومشايخها قسطاً من المعارف الدينية وحفظ أجزاءً من القرآن الكريم.
نظراً لعدم وجود المدارس العربية في تلك الفترة فألحقه والده بالمدرسة الابتدائية الإيطالية (فرنشيبي بيامونتي) في عام 1934م ومكث فيها حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939م وقد تلقى خلال هذه المرحلة التعليمية العديد من المواد الدراسية باللغة الإيطالية وخلال الحرب توقفت الدراسة فترك عديد سكان المدينة القديمة بيوتهم هرباً من جحيم الحرب فرحل الطفل محمد مرشان مع أسرته التي استقر بها الحال في جنزور غرب مدينة طرابلس عام 1940م حتى عام 1942م وقد التحق خلال هذه الفترة بجامع سيدي بوغرارة بمنطقة أولاد بن سعيد لدراسة القرآن الكريم وأثناء هذه الفترة توفيت والدته وكان لهذا الحدث الأثر العميق في نفسيته. وفي عام 1942م عاد مع والده وأخته إلى المدينة القديمة وأقاموا في بيت علي مرشان الكائن بزنقة قشور المتفرعة من شارع سيدي عمران حتى عام 1943م وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945م التحق محمد مرشان بالمدرسة الابتدائية العربية وبقي فيها ثلاث سنوات حتى عام 1948م.
توقف محمد مرشان عن مواصلة الدراسة في السنة الثالثة الابتدائية عام 1948م والتحق بالبوليس البحري (خفر السواحل) عام 1948م ومكث في هذه الوظيفة لمدة ثلاث سنوات واستقال منها عام 1951م كانت رغبة البحار حسين مفتاح مرشان أن يتوجه ابنه إلى دراسة القرآن الكريم وأصول الدين و أن يتخصص في هذا المجال الحيوي ليكون عالِماً فيه إلا أن رغبة محمد مرشان عاكست رغبة والده بسبب حبه للفن وشغفه بالغناء وعشقه للطرب وعندما تدرج في النضوج الفكري كان يستمع إلى ما يقدمه بعض الموسيقيين من عازفين ومطربين أمثال الفنان محمد سليم والفنان سالم القمبري والفنان عثمان نجيم والفنان كامل القاضي والفنان أمحمد حسن بي والفنان مصطفى الفلاح والفنان أحمد عاشور والفنان عارف الجمل والفنان بشير فهمي(فحميه) والفنان خليل التارزي والفنان مختار داقره والفنان مختار شاكر المرابط وغيرهم من أعلام الموسيقا في ليبيا الذين تعلم منهم الكثير من قواعد النغم وقد شغف كثيراً بألحان الفنان فريد الأطرش وأغاني الفنان محمد عبد الوهاب وكوكب الشرق أم كلثوم وبهذا تربى الفنان على سماع الطرب الأصيل.

الفنان محمد مرشان
الفنان محمد مرشان (الصورة: عن الشبكة).


تتلمذ على يد الفنان صالح الفزاني وأول عزفه كان على العود كبر الفنان محمد مرشان واشتدت ميوله للموسيقا فقرر دراستها وكانت أول آلة موسيقية تعلم العزف عليها هي آلة العود على يد الفنان صالح الفزاني عازف آلة العود والكمان الذي كان يعمل ضمن الفرقة الموسيقية بالإذاعة البريطانية التابعة للجيش البريطاني والكائنة بالصومعة الحمراء بمدينة طرابلس.
ولم يكن مرشان بعيداً عن هموم الوطن والتفاعل مع الأحداث الوطنية والعربية فكتب قصيدة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية حول الوضع في فلسطين يحثه فيها على القيام بشيء ما لردع العدوان.
وعندما تقدم في دراسة آلة العود وفهم أسرار النغم تفجرت لديه موهبة التلحين وكان أول عمل غنائي يقوم بتلحينه ومن تأليفه وغنائه يقول مطلعه (كتبت الرسائل لين فشلوا يديا… وما فيش من رد السلام عليا) وقد سجلته الإذاعة البريطانية عام 1949م وقد غناها أول مره أمام الجمهور بنادي الاتحاد عام 1949م.
ولم يـكـتـفِ الفـنّـان محمد مرشان بدراسة آلة العود بل اتجه لتعلم علم (الصولفيج) النوتة الموسيقية على يد الأستاذ رمضان الأسود ودرس آلة الكمان على يد أستاذ إيطالي خلال الفترة ما بين 1952 و1954م وقد شكل فرقة موسيقية (تخت) برئاسته وعضوية كل من الفنان أحمد عاشور على آلة الكمان والفنان صالح الفزاني على آلة العود والفنان نصر الدين الجعفري على آلة الكمان والفنان قدري عبد القادر على الكمان والفنان عبد السلام شركس إيقاع والفنان محمد الدهماني مطرب والفنان عبد اللطيف حويل مطرب. وقد أحيت هذه الفرقة عدداً من الحفلات الموسيقية وكان يذهب إيرادها إلى الثورة الجزائرية وكانت تحيي حفلاتها على مسرح سينما الحمراء.
ولم يتوقف عن تعلم المزيد من العلوم الموسيقية حيث درس علم الهارموني على يد أستاذ إيطالي عام 1957م وفي نفس العام تم تعيينه في مصلحة الضرائب بطرابلس في قسم الأرشيف وبقي فيها حتى عام 1959 وخلال هذه الفترة تعرف على سيدة إيطالية يقع بيتها فوق مبنى الضرائب بشارع عمر المختار فدرس عنها آلة البيانو.

– رَئِيسًا لِفِرْقَـةِ الْإذَاعَةِ الْمُوسِيقِيّة في عام 1959م

طلب مدير عام مصلحة الإذاعة والمطبوعات من الفنان محمد مرشان ترؤس فرقة الإذاعة الموسيقية عندما كان الفنان بشير فهمي رئيساً لقسم الموسيقا بعد الفنان كاظم نديم الذي تولى إدارته خلال الفترة من 1957 وحتى عام 1959 م وقد قبل الفنان محمد مرشان العرض مع بعض الشروط من بينها رفع مكافأة أعضاء الفرقة الموسيقية والشرط الثاني أن لا يتدخل أحد في شؤون الفرقة الموسيقية والشرط الثالث حرية التصرف في الفرقة وقد تم قبول كل هذه الشروط وفي نفس العام تحصل على بعثة دراسية إلى تونس لدراسة الموسيقا وقد تم قبوله في معهد الكنسرفتوار في السنة الأخيرة بعد أن تجاوز السنوات الخمس الأولى بحكم دراساته الموسيقية السابقة واجتاز الامتحان النهائي بتفوق وتحصل على الشهادة التي أهلته للترقية وعاد إلى ليبيا مع بداية عام 1961م. وتم تعيينه على الدرجة الرابعة وتولى أيضاً رئاسة قسم الموسيقا بعد وفاة الفنان بشير فهمي. وعمل على تشكيل فرقة للمالوف وساهم في تأسيس وإدارة المعهد الوطني للموسيقا والتمثيل.
في أواخر عام 1961م قام الفنان محمد مرشان برحلة فنية استكشافية لجنوب ليبيا حيث زار خلالها سبها ومرزق وهون وسوكنة وأوباري والشاطئ وبعض القرى الأخرى واستمع إلى روائع الموسيقا في هذه الواحات الرائعة.
قبل قيام الفنان محمد مرشان برحلة للجنوب كان يفكر في إعداد كتاب حول الموسيقا يتضمن التراث الموسيقي من قصائد وطقاطيق ومالوف وغيرها من أشكال التأليف الغنائي وقد ساعدته هذه الرحلة على تعميق فكرة إعداد الكتاب وبدأ بالفعل بتجميع مادته وصياغة أفكاره وتمكن بحكم مثابرته واجتهاده وحسن اطلاعه على الموروث الليبي من تكملة هذا المرجع الموسيقي الهام الذي تضمن جملة من المعارف الموسيقية من بينها تعريف المقامات الموسيقية العربية والغربية والقواعد الموسيقية ومبادئ الهارموني والمقامات والإيقاعات وعدد من المصطلحات الموسيقية والآلات الموسيقية المستعملة في ذلك الوقت ونماذج من المالوف ومجموعة من الألحان وقد صدر هذا الكتاب عام 1963م في طار قرار وزارة الإعلام والثقافة بشأن إصدار سلسلة من الكتاب الليبي وكان كتاب الموسيقا قواعد وتراث لمؤلفه الفنان محمد مرشان من أول الكتب في هذه السلسلة.

– مُـسْـتَـشَـار مُوسِيقِيّ فِي فَـرْعِ الْإذَاعَـةِ اللّيبِيّة فِي بَـنْـغَـازِي

وعندما تم قبول استقالته من المعهد عام 1970م خطط للقيام بنشاطه الخاص في مجال إعداد الشرائط السينمائية الوثائقية، ثم واصل التأليف والتلحين والغناء وقدم عديد القوالب الغنائية والآلية خلال إقامته في مصر الشقيقة وعند عودته إلى ليبيا عام 1983م تم تعيينه كمستشار موسيقي في فرع الإذاعة الليبية في بنغازي وتكليفه بإعداد فرقة لجواد الموسيقية عام 1984م ثم نقل إلى مدينة طرابلس لتولي الإشراف على قاعة الفجر للتسجيل في أواخر عام 1984م حتى أحيل إلى التقاعد عام 1992م.
ومن روائع هذا الفنان الغنائية على سبيل المثال أغنية (نور العين والجوبة بعيدة… حن القلب لأوهامه يريده) لحن قديم وكلمات الشاعرة خديجة الجهمي وغناء الفنان محمد مرشان وأغنية (كلّمتها واطت العين عليا… خاصمتها ولت تشاور فيا) كلمات الشاعر إبراهيم الطوير لحن قديم وغناء الفنان محمد مرشان وأغنية (سلم علي من يسلم عليا… ثلاثين مائه على عد موج البحر بالوقية) المذهب قديم والأبيات من كلمات الشاعر الراحل أحمد الحريري ولحن المذهب قديم والأبيات من لحن وغناء الفنان محمد مرشان وأغنية (ريت الريم هامل في القراره…خطر زول يا مبعد دياره) كلمات الشاعر عثمان حسين لحن وغناء الفنان محمد مرشان وأغنية خذ الود يا طير المحبة للي عاش قلبي أيصون حبه) كلمات الشاعر عبدالسلام قادربوه لحن وغناء الفنان محمد مرشان وأغنية (العين باعت والخدود شرتهم… دمعات نزلو ساخنة حرقتهم ) كلمات الشاعر أبوعرقوب لحن وغناء الفنان محمد مرشان وغيرها من الأعمال الغنائية الخالدة التي تزخر بها مكتبة الإذاعة الليبية المرئية والمسموعة وتقدر بأكثر من خمسمائة عمل غنائي. حياة حافلة بالفن والعطاء والإبداع.

– ختاماً…

إن حياة هذا الفنان حافلة بالعطاء في مجال النغم وله بصماته المميزة في ألحانه التي أدخل عليها التوزيع الهارموني فزادت أعماله الغنائية إتقاناً وهو شغوف بطلب المعرفة والبحث عن المعلومة فتنقل بين أرجاء الوطن في ليبيا والوطن العربي لينسج أنغاما تتوافق والموروث الحضاري ليظهره إلى المتلقي بأسلوب فني جديد ينال استحسان سامعيه.

مقالات ذات علاقة

السندباد الذي رقص حافياً

رامز رمضان النويصري

أربعون الكاتب محي الدين كانون

المشرف العام

رحيل المربي الفاضل الشيخ أحمد عزالدين بن عثمان

المشرف العام

اترك تعليق