حوار لم ينشر من قبل مع المؤلف والناشر والخطيب.. عاشور بريك الدمنهوري
حاوره: حسين نصيب المالكي
كنت دائما أتردد عليه في مكتبته دار الهدى، العامرة بشنى العلوم والمعرفة، بالقرب من شارع فلسطين، فهي المكتبة الوحيدة المتخصصة في هذه المدينة. وأول أمس زرته فيها كان منهكا وسمعه ضعيفا، وقد رفض حتى وضع السماعات الطبية، التي جاء بها من مصر في الآونة الأخيرة، على أذنيه لأنها تزعجه.
تجاوز العقد السابع من عمره، طالت جلستي عنده، فدردشت معه، وكان هذا الحوار المسجل، سألته عن حياته، فأجابني برحابة صدر قائلاً:
أنا ولدت في مدينة درنة سنة 1944م، من أسرة متوسطة الحال، كان والدي قد مارس حرفة الحلاقة، وكذلك الزراعة وتربية المواشي، وانتقلت مع أسرتي الي مدينة طبرق سنة 1951م. وكانت لي رغبة ملحة في حفظ وتجويد القران الكريم بعد انتقالنا الي مدينة طبرق، وقد يسر لي الله ذلك حيث تمكنت من حفظ الاجزاء الثلاثة من القران الكريم في مدرسة طبرق القرانية وعلى يد الفقيه “محمد ادهيميش” والفقيه “عبدالرسول المهدي”، وتعلمت أحكام التلاوة والتجويد على يد الفقيه “عبدالرحمن الفاسي”، حيث كنت أقوم بتجويد القران الكريم في مسجد الملك محمد ادريس السنوسي، وقد نلت إعجابه وإعجاب المصلين من سكان المدينة، وقد رشحني رحمة الله عليه لإتمام دراستي بالازهر الشريف، غير أن ظروفي الأسرية والاجتماعية حالت دون ذلك، وقد تحصلت على الابتدائية من مدرسة طبرق الابتدائية سنة 1957م، والاعدادية سنة 1960م، والثانوية من مدرسة طبرق الثانوية سنة 1964م، ومن الجامعة الليبية تحصلت على ليسانس من كلية الاداب قسم تاريخ سنة 1970م. وتعينت في حقل التعليم مدرسا ثم مدير مدرسة ثم مفتشا حتى التقاعد.
ولعلك تتساءل عن اتجاهي وما علاقة التاريخ بالدين في حياتي؟
فاجيبك إن كل ذلك لم يأت عبثا أو بمحض الصدفة!! بل نتيجة مواظبتي على حضور وأنا صغير صلاة الجماعة والجمع، وحضوري لدروس الوعظ والإرشاد مع علماء أجلاء كانوا يأتون إلي طبرق من الازهر الشريف، وهم الشيخ “عبدالحافظ الشناوي” والشيخ “الجبري” والشيخ “إبراهيم العبد”. وكنا خلال شهر رمضان من كل عام وبعد صلاة التراويح، نحضر إلي قصر الملك إدريس للاستماع إلي آيات من الذكر الحكيم للقاريء الشيخ “محمد الصديق المنشاوي”.
حتى بعد التخرج من الجامعة واصلت دراستي عبر سنين عديدة على أيدي مشايخ وعلماء أجلاء من أمثال الشيخ “مصطفى عبدالعزيز الطرابلسي”، درست على يديه (مختصر الشيخ خليل بن اسحاق) في الفقه المالكي و(متن الرسالة) وبعض أجزاء من (صحيح البخاري) المشهور. كما درست عليه كتاب (رياض الصالحين) في الحديث للإمام “النووي”، ومن خلال انني اغشى بيوت الله من قدري السعيد وكانت لقاءاتي في ساحاتها الطاهرة مع روادها من الركع السجود لخطب الجمع وإلقاء الدروس الدينية وكانت لهؤلاء الرواد أسئلة عديدة واستفسارات تتعلق بأمور الدين وكنت أجيب عليهم وكانوا يحتاجون للاطلاع على كتب العبادات بطريقة مبسطة، لهذا رأيت ألا أحرم أبناء وطني مما تعلمته من الفقه والدين. وكانت في نفسي رغبة ملحة أن أجمع لهم شتات العبادات وأحكامها في كتب مبسطة بأسلوب واضح ولغة سهلة تناسب عامة المسلمين من المثقفين، وتوضح لهم وترشدهم الي ما خفي عليهم من أحكام دينهم في سهولة ويسر، فكان كتابي الأول (الطهارة أحكامها أسرارها كيفيتها)، والذي نشر عن طريق شركة النشر والتوزيع طرابلس.
ولما كانت المرأة أيضا تختلف في طبيعتها عن الرجل، فهي قد لا تستطيع أن تحضر الجمع والجماعات ولا تلتقي بالعلماء وتجلس في حلقاتهم، وربما تخجل من أن تسال عما خفي من أمور دينها خاصة في الطهارة والحؤض والنفاس وغيرها، لهذا أعددت كتاباص من جزاين يسد هذا الخلل وهو (المراة تسأل والإسلام يجيب)، بالاضافة الي كتابي في أحكام العبادات وهو من مجلدين.
بالأضافة إلي كتب العبادات الأخرى، وكتب تاريخية، عن معركة بئر الغبي، وذكرهم بأيام الله ومن أعلام درنة الزاهرة الشيخ مصطفى الطرابلسي، وكتابي المشترك معك أستاذ “حسين”، عن ذكرى معركة الناظورة الشهيرة ضد الغزو الايطالي بطبرق والتي وقعت في 22 ديسمبر سنة 1911م.
ولم أتوقف عند هذا الحد، بل أسست مكتبة دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، لحاجة هذه المدينة الي مكتبة متخصصة في شتى صنوف العلم والمعرفة بل، وجعلت منها داراً لنشر وطباعة كتبي الدينية، وكل من يرغب في طباعة كتابه سواء في المجال التاريخي أو الأدبي أو الديني.
والحمد لله بعد هذه السنوات الزاخرة بالعطاء تم تكريمي كمؤلف وناشر من طرابلس، من قبل جمعية المؤرخ طاهر الزاوي، ومن الأردن. وأشعر أنني ساهمت قدر استطاعتي وإمكانياتي في تأليف الكتاب ونشره في بلادي، وشاركت في العديد من معارض الكتاب، في مختلف المدن الليبية.
وعن بعض أصدقائه، الذين كانوا دائما يترددون عليه، ممن هم في جيله، أجابني:
منذ مدة لم أرهم
ثم التفت إلي قائلاً:
وأنت دائم السفر إلي بنغازي، لدي إصدارات دار البيان الحديثة سوف أسلمها لك ترجعها للأستاذ “علي جابر”، وتبلغه تحياتي، وتخبره أن صحتي لم تعد تسمح، حتى بأفتتاح المكتبة.
وبعد هذا الحوار والذي استمر حتى الساعة الثامنة مساءً، وبعد يومين علمت أنه انتقل الي جوار ربه رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.