من أعمال التشكيلي علي حورية.
المقالة

الغوث

من أعمال التشكيلي علي حورية.
من أعمال التشكيلي علي حورية.

غير بعيد عن قرية “نسمة” الوادعه و الواقعة بين بني وليد ومزدة، بين “رقاصة الثور” كما عرف اهل بني وليد وبين صناع البارود كما كان سكان مزدة، لم اكن اشعر بانني اقف في مفترق طرق كما تعودت ان اشعر كلما وقفت في نقطة من ليبيا الشاسعة، حيث ظلت كل النقاط في الجغرافيا الليبية ليست الا مفارق طرق تؤدي بك الى الشمال والجنوب والشرق والغرب، بالتأكيد كل نقاط الارض لها تلك الميزات تقريبا ولكنني ظللت احس بان البلاد ليست الا معابر مفتوحة على كل الاتجاهات، وقابلة للعبور في كل الظروف والاوقات وكل ذلك جعلها بلدا بلا خصوصية، بالتاكيد كانت اورام الوطنية تفعل افعالها في تلك الفترة.

في ذلك الوادي حيث تنتصب نقاط حراسة فرقة اوغسطا الرومانية منذ اكثر من ستة عشر قرنا كخط دفاع روماني عن لبدة وصبراته واويا الرومانية، ضد غزوات الجرمنت وسكان هذه التخوم التي كنت اقف وسط احد اوديتها و حيث لم يداهمني قلق المعابر والعابرين فاجأني رفيقي “البوسيفي” قائلا: “هل تريد زيارة الغوت؟“.
“الغوت؟ قلت له مندهشا فهز راسه مؤكدا.
الغوت اعلى مايصل اليه المتصوف بكده وعلمه وعمله، فأي غوت هنا وسط هذا الوادي؟ واي مدرسة اوصلت هذا الغوت الى هذه الدرجة؟
قال البوسيفي: هنا في نسمة ووديانها ولد وكبر وتعلم وتعبد الغوت.
توجهت ورفيقي الى “الغوت” الذي لم يكن بعيدا، لم نسر الا مسافة قصيرة وسط الوادي ثم بدأنا بالصعود نحو كهف بمنتصف الجبل حتى بلغناه، كان مدخل الكهف صغيرا مما جعلنا ننحني كي نستطيع الدخول، كان الكهف منحوتا على نحو ممتاز رغم خشونة جدرانه، حتى بدا لي الاتكاء عليها لاراحة الظهر مستحيلا لخشونة ذلك المتكى، كان مظلما، وكانت الشمس خلفه ولايصله من نورها الا انعكاسات خافتة من نورها الذي كان يغمر الوادي، كان الداخل لهذا الكهف يلقي بالوادي، وبالزرع والضرع خلف ظهره ويدخل العتمة ثم الغبش ولا يجد امامه الا القبلة للصلاة.
كان دخول كهف الغوت بداية نفق مظلم لذا فلابد ان يتردد الهام بالدخول للحظات ليدخل بعدها او يلتفت الى الوادي ويعود، بالتأكيد ثمة من دخل للاستطلاع والمعرفة كما كنت افعل في تلك اللحظات، ولكن ماذا عن ذلك الذي دخل للمكوت في هذا البرزخ المظلم، بين الوادي والزرع والضرع وبين ماوراء الظلام من شموس؟

كان الغبش ورعدة رهبة ونظر يرتد وهو حسيرا، وكنت وعلى غير ماكنت من غرور وخشونة.
خرجت متقهقرا وضئيلا، وحين استدرت باحثا عن الوادي والزرع والضرع اغشت بصري شمس الوادي، جلست للحظات على صخرة عند مدخل الكهف حتى استعدت بصري وحين نهضت اكتشفت انني كنت اجلس على ارث الغوت كاملا، كان ثمة رقش كرقوش فناني ماقبل التاريخ بالاكاكوس، كان ثمة مربع ومثلت ثم شمس كبرى مرقوشة بعناية ومعاناة على تلك الصخرة، ادركت ان الغوت امضى اعواما هنا متعبدا ومتأملا راقشا كل مقاماته التي بلغها على هذه الصخرة.

الغوت وككل الليبين لايحملون معارفهم ومقاماتهم خارج كهوفهم منذ رسامي ماقبل التاريخ الليبين وحتى الان، بل ان بعضهم لا يخرجها حتى من صدره الا اهة حارة.
ربما كنت اكتشف احد اركان خصوصيتنا، “ان نبخس اشياءنا”، ان نخجل منها ونخفيها.

مقالات ذات علاقة

مومياءات ليبيا أكثر قِدَماً من المصريّة

منصور أبوشناف

السماح للموت

عبدالرحمن جماعة

قرن لينين… ثمانون القويري

أحمد الفيتوري

اترك تعليق