من أعمال التشكيلي رجاء بن ناجي
حوارات

رجاء بن ناجي: اللون مِنْ ريشة غُمِسَتْ في دمي ودموعي

حاورتها: حواء القمودي

نحاول اللقاء كي نرمم وجعاً في الروح ونصدح بنشيد الأمل موعد وآخر وثمة ما يربك, لكن طراوة هبّت فجعلت الخطوات تتسارع والخطوط تتلاقى, نحاول اللقاء في «دار حسن الفقيه» بالمدينة القديمة ولكن؟!, وهكذا سنلتقى حيث أحبت هي لنكون في حضرة الفن الذي يستقبلني حين عبوري من الباب, قهوة تفوح ولوحات تتقافز كل مرة تجيء بمجموعة, وكأنها معي تستكشف ما لديها حتى إنها تُفَاجَأْ «تصوري نسيتهم يا حوا؟!».
هي رجاء بن ناجي, تعددت اللغات التي تتقنها وكذلك المواهب التي حظيت بها, لكن السؤال الذي تبحث عن إجابته هو «هل أنا حقاً فنانة تشكيلية؟!».
هي ما زالت تحلم بإنجاز الكثير من اللوحات، و«ما زلت أحتاج للتعبير عما في روحي من خلال الرسم».. هكذا أنهت الحوار الذي دار بيننا, حوار من خلاله سنتعرف على هذه المبدعة التي تكتب بمحبة غامرة نصوصها الشعرية وقصصها وحين تغمس ريشتها في اللون تغدو فراشة حرية ورؤى.

* لنبدأ بداية تقليدية.. متى بدأتِ الرسم؟
_ في بداية السبعينات وكنت في بلد أجنبي, كنت جالسة في بهو فندق فإذا بي أبحث عن قلم وأقتنص ورقة كيفما اتفق, بدأت أرسم خطوطاً بذاك القلم، وحين شعرت ألا مزيد بدأت في مسح خطوط للبحث عما وراء هذا توقفت بعد شعوري أن ثمة شيئًا يظهر وهكذا بدأت أظلل ووو لتظهر لوحة..
«أقاطع انسيابها قائلة: مؤكد كنتِ موهوبة في مادة الرسم» ضحكت: نعم, وبالصف السادس بمدرسة الظهرة -في العهد الملكي- كان لي ركن خاص بالمعرض الذي يقام في نهاية العام الدراسي, وكان والي طرابلس «الطاهر باكير» هو من افتتح المعرض، وحين مرّ بالركن الخاص بي قال: «البنية هذه اعطوها جائزة» وهكذا نلت قلم باركر هدية, وأيضاً أتذكر أني شاركت بركن خاص بي في الثانوية بمدرسة طرابلس بشارع النصر.

* لاحظت أن لوحات «الحبر على ورق» تناولت مواضيع كثيرة وتواريخها تكاد تكون في وقت متقارب السبعينات وبداية الثمانينات وبعض في بداية الألفية الثانية, هل نعتبرها مرحلة؟
_ ربما, لست أدري لقد استغرقتني هذه التقنية إن صحت التسمية أو الطريقة في الرسم لفترة لا بأس بها, وأيضاً أعود إليها حين أجدها مناسبة للموضوع الذي أرسمه, تناولت بها مواضيع مختلفة كما تشاهدين, الظلم «ظلم الإنسان لمن هو أضعف منه» والحنان الإنساني بتنويعاته وحتى «سفينة نوح» وثوب راقصة الفلامنجو, تجدين لوحات عن القضية الفلسطينية عن محمد الدرة وجنين, وأيضاً زخارف دقيقة تحتاج الكثير من الدقة والصبر, حتى إنني رسمت شجرة وكل أغصانها مليئة بالعصافير، وحين بدأت أعدّ هذه العصافير اكتشفت أني رسمت أكثر من مئة عصفور!

* وأيضاً أيتها المبدعة لديك هذه اللوحات والتي يمكن تسميتها «تراثية» صندوق الفضة والمرآة والمكحلة و«الترليك» وتلك العروس وصندوق المجوهرات.
 يا عزيزتي حكاية هذه اللوحات والتي كما لاحظت انشغلت بكل ما يخص المرأة من أدوات زينة فضية, هذه كانت ضمن مشروع «وجه القمر» والذي اقترحه الراحل الأستاذ إبراهيم الفقيه حسن في العام 2002 م, اقترح خلال أكثر من اجتماع اختيار مواضيع يتناولها مجموعة من الفنانين، وكان اختياري لهذا الموضوع, وهذه المقتنيات بعضها لأمي «رحمها الله» وبعضها لي, و«أظنك رأيتها ما زالت موجودة على طاولة خاصة», ووجدت أن الحبر على الورق يناسب هذه اللوحات, للأسف لم يكتمل المشروع ولم يظهر الكتاب الذي كان يحلم به الراحل ولكن ربحت هذه اللوحات, والتي عرض بعضها أثناء محاضرة ألقاها الأستاذ «إبراهيم» في مركز جهاد الليبيين.

* لاحظت أن الخلفية لهذه اللوحات هي «رداء حرير مخطط بخطوط ناعمة باللون السماوي»؟
حين شاركت في «اللقاء الدولي» والخاص بالمرأة والذي أقيم في «السرايا الحمراء» برعاية القنصلية الإيطالية والمركز الثقافي الإيطالي, فكرت كيف سيكون عرض هذه اللوحات.. «قطعة من رداء الحرير» هي الفكرة التي لاحت أنها مناسبة لتكون خلفية لهذه الأشياء التقليدية, ولاقت هذه اللوحات وخلفيتها الكثير من الاستحسان.
* في اللوحات التي ظهر بها الوجه الإنساني, قليلاً ما ظهرت ملامح الوجه, ولكن لديك «بورتريه» لوجه له مكانة خاصة عندك؟
أولاً لنتحدث عن اختفاء ملامح الوجه من لوحاتي, وأظن أني معنية بالحالة بالمشاعر التي تبرزها اللوحة, ربما لهذا لا تجدين ملامح بارزة في الوجه, خذي مثلاً هذه اللوحة، والتي تُظهر «كائنين» يكادان يذوبان معاً من الحنان, بالنسبة لي أعبّر بها عن الحنان الإنساني وهذا الاندماج الذي يربط روحين أيَّاً كانا, لم أهتم بملامح الوجه لأنها ستؤطر الحالة؟!
أمّا تلك اللوحة والتي أشرت إليها: وجه له مكانة خاصة, طبعاً هي لوحة لأخي الفنان عبدالمنعم ناجي، رحمه الله, رسمتها بعد عام من رحيله, رسمت هذا الوجه الذي احتفظت به ذاكرتي «مات أخي وعمره ست وستون عاماً», وجه لا أستطيع أن أخبرك عن تاريخه, هو وجه برز من مخيلتي إلى فضاء اللوحة مغموراً بتلك الشفافية في ذاك العالم الآخر, عيناه اللتان تقولان أحلاماً وكأنهما تنظران عالماً من الرؤى والأطياف النورانية.

* سيدة رجاء بن ناجي لاحظت أن «الزهر والورد» يظهران في كثير من لوحاتك «حبر على ورق ولوحات الخشب والزيت»؟
حتماً ستظهر الطبيعة في لوحاتي بتجلياتها المختلفة: العصافير والفراشات وأيضاً الأشجار, لكن الزهور لها مكانة خاصة فأنا ابنة «جنان النوار» بطرابلس, وطرابلس هي عبق الفل والياسمين ومُتَوَّجَة بأكاليل «الحِنَّة « رسمت زهورها في تفتحها بالربيع وفي هدأة الخريف, أنت رأيت لوحة بها قمر يغمر مدينة بظلاله قلت: «هذا قمر وسْنَان», نعم حتى قمرها يحلم فيرشُّها برذاذ أحلامه فتجدينها مدينة مغطاة برداء شفاف, تنام على هدير البحر وتنهض على وشوشات العصافير.

* سأقفز من «مدينة الزهر والحنة» لأسألك: ما حكاية الأفعى التي تظهر بكثير من لوحاتك؟
_ هي طبيعة الحياة, كما نجد الزهور والعصافير والفراشات حتماً سنجد هذا الشر المتربص, ربما وجدت صورة الأفعى الملتفة الأكثر قرباً أو دلالة لأعبر عن هذا المعنى, وأيضاً هي «فحيح الإغواء», لا نستطيع الهروب من قصة «الأفعى والخديعة» لحواء وآدم, وربما هي سبب هذا الصراع الأزلي بين الرجل والمرأة!

* سؤال تقليدي أيضاً, وأنت من تجوس بين «حبر على ورق» و«زيتي على خشب» أين تجدين نفسك؟!
وربما ستكون الإجابة تقليدية, بأن هناك دافعاً في النفس هو الذي يختار الوسيلة أي المادة التي ستظهر بها فكرة اللوحة, أحياناً أجدني أمسك القلم لأرسم خطوطاً تتلوى هنا وهناك حتى تتوقف ثم أمسك الممحاة لأبدأ المحو وأيضاً حتى أشعر أن هناك شيئاً ظهر حينذاك تبدأ عملية أخرى حيث الحبر الذي سيبرز تفاصيلها, أمّا إذا كان الاختيار للوحة الخشب فأنا لا أرسم أو لا أقوم بالتخطيط على الخشب بل أغمس الفرشاة في ألوان الزيت وأبدأ الانغمار, الفرشاة ترسم وتغدق الألوان حتى تبرز اللوحة وتتجلى كما أحب, إذا هناك ما يدفعني لأبدأ الرسم على لوحة.. فقط أخاف من ضياع لوحات «الحبر على الورق», بينما وحين الانتهاء من رسم لوحتي بالألوان الزيتية على الخشب أشعر أن ثمة قطعة أثرية قيّمة قد ظهرت وعمل يقاوم النسيان والوقت.
مرة أخرى أتطلع إلى اللوحات المعلقة والتي تملأ جدران البيت, ثم أتأمل اللوحات التي نثرتها الفنانة رجاء بن ناجي هنا وهناك لوحات ولوحات ولوحات, تجارب مختلفة ومدارس متعددة أجد التجريدي والانطباعية, واللوحات التي غمرها الحبر ونمنمتها بدقة وصبر, هي لم تدرس في كلية فنون ولكن أيضاً هي نبتت في بيت ثقافة وفن, ما زالت تحلم أن ترسم وتشعر أن هناك الكثير من الأفكار والمشاعر التي تناديها كي ترسمها «وليس لتكتبها شعراً أو قصة», فكرتُ: لماذا تتساءل هل هي فنانة تشكيلية؟! ولماذا تحاول أن تنكر هذه الصفة؟!
ظهرت أول مرة في معرض خاص بها في افتتاح «مركز صلاح الدين للتدريب» مع أمسية أدبية كانت هي شاعرتها, وشاركت أيضا بلوحاتها وشعرها في «المعرض الأول للفنون التشكيلية» والذي أقامته «الجمعية الليبية للثقافة والعلوم» وكان هذا الظهور في العام 1996م وتوالت مشاركاتها «في اللقاء الدولي الأول والثاني» مع فنانة إيطالية هي «ريتا دي جورجو»، لكنها لم تبادر بإنجاز معرض شخصي لتجربتها التي ابتدأت من بداية «السبعينات» وما زالت أفكاراً للوحات وأحلام لإنجاز تناوشها.
هل أقول ما فكرت به! أن هذه المبدعة لا تريد أن تعترف بأنها «فنانة تشكيلية», لأن فناناً بقامة «عبدالمنعم بن ناجي» هو شقيقها وصديقها ومعلمها أيضاً, هذا الذي أقام معرضه الأول وهو في عمر «الثامنة عشرة» وكتب عن معرضه شيخ الثقافة الليبية: علي مصطفى المصراتي «فنان وربُّ الكعبة» بتاريخ « 5/ 7/ 1953»..
هي لم تدخل كلية فنون ولا أخذت دروساً ولكن مدرسة عبدالمنعم بن ناجي كانت هي تلميذتها, وبتلك الصداقة والتي عبرت عنها حين كتبت رثاءها: «كنا نجلس مراراً لاحتساء فنجانين من القهوة، وكثيراً ما كانت تبرد لأنَّنا كنا في حالة تأمل ما كان يستجد من خطوط ينفذها في أحجام صغيرة – كانت بحد ذاتها قطعاً من الإبداع».
هذا الفنان الذي لم يبادر بإقامة معرض خاص خلال سنوات طويلة وظل في حالة توقف, وكان يحلم بإنجاز معرض شامل في العام 2003م ولكنه رحل بداية الألفية الثانية قبل أن يحقق الحلم.. فهل كانت ستغامر حتى بصوت رهيف وتقول: أنا فنانة تشكيلية.


سيرة

رجاء عبدالله مختار بن ناجي
طرابلس 3 : 2 : 1947.
ليسانس لغة إنجليزية /جامعة طرابلس 1970م.
دبلوم خاص / صحة نفسية / 1977م.
شاركت في معرض افتتاح «مركز صلاح الدين للتدريب» بثلاث لوحات «زلزال – الصبر – حبر على ورق».
و«القافلة: زيتي» مارس 1996 م.
شاركت في «المعرض الأول للفنون التشكيلية» الذي أقامته «الجمعية الليبية للثقافة والعلوم» ديسمبر 1996م.
شاركت في اللقاء الدولي «امرأة = DONNA» بمشاركة فنانة من إيطاليا, وكان اللقاء الدولي برعاية المركز الثقافي الإيطالي والقنصلية الإيطالية في ليبيا 2003 كشاعرة/ 2005م كفنانة تشكيلية باثنتي عشرة لوحة تراثية.

مقالات ذات علاقة

أونيس: نحرص على ألا يكون مكان ليبيا شاغرا بالمحافل الثقافية

المشرف العام

السيدة “سولاف عمار”: نحن نشعر بالرضا بما حققه المنتدى من نجاح حتى هذه المرحلة

المشرف العام

الشاعر محمد عبد الله.. لفسانيا: طموحاتي كبيرة جدا ليس لها مدى أو حتى فضاء يحتويها

المشرف العام

اترك تعليق