بوابة الوسط :: عبدالرحمن سلامة.
الشاعر عبدالحميد بطاو وُلد بمدينة درنة الزاهرة 1941، وهو شاعر محب وعاشق للحرف والكلمة ومتيم بحب الوطن، كتب في مجالي الشعر والتأليف المسرحي، وبدأ في كتابة الشعر في مطلع حياته ونشر نتاجه الشعري في معظم الصحف والمجلات المحلية والمواقع الليبية والعربية، وحصل على عدة جوائز منها الجائزة الأولى في الملتقى الأدبي الأول العام 1974 في مجال الشعر بطرابلس والجائزة الأولى في مجال التأليف المسرحي العام 1991.
شاعرنا لا يحب تقلد المناصب والمهام، بل هو دائماً كالطائر الغريد يرى الحياة أكثر براحاً عندما يتخلص من أقفاص المهام، صدر له عديد المؤلفات أبرزها الدواوين الشعرية «تراكم الأمور الصعبة» و«بكائية جالية المطر» و«الموت»، أما أعماله المسرحية الشعرية فمنها «الموت أثناء الرقص» و«الجسر» وهي مختلطة بين الفصحى والعامية.
• بداية نبارك لك إصدارك الجديد «مازلت حي يا عمر»..
– إلى جانب هذا الإصدار صدر لي خمسة دواوين بالفصحى، وديوانان بالعامية وهما «موش عارف كيف» و«عود حسبتك» ثم كتبت عدة قصائد عن الثورة الحديثة والقصائد نقدية كلها ثم اخترت أجمل قصائد من الديوانين وأطلقت عليها «من مختارات شعري العامي».
والإصدار الجديد يضم كثيراً من القصائد، التي قيلت في زمن القذافي، وهناك من يقول «أنعل بو السكات في وقت الكلام» وقصائدي كانت تنشر في وقت القذافي وكانت قصائد معروفة أنها لي مثل قصيدة «عود حسبتك» و«لو تجيب مئة غانم» وغيرها من القصائد، فعندما صدر هذا الديوان كنت سعيداً، وهو يحتوي على عدد من القصائد التي لها قصص من الواقع وكيف صدرت هذه القصيدة من لقائي مع الراحل نوري سباق إلى قصة خصومتي الجميلة مع الناجي الحربي إلى قصة امراجع المنصوري وغيرها وأنا سعيد بوجود الديوان وصدوره.
• لماذا يكتب الشاعر عبدالحميد بطاو؟
– أنا أكتب ما أحس به، أكتبه وأنا أريد أن أشكل شهادة تاريخية لحياتي وحياة الناس المحيطين بي.. أكتب لإحساسي بالمسؤولية من خلال وجودي في المجتمع وشعوري بأن هناك كثيراً من السلبيات وأرى أن السكوت على السلبيات فيه نوع من الخيانة الوطنية، والإنسان لابد أن يسجل شهادته في هذا العصر مادام يملك أدواته الإبداعية، وحقيقة هذه مسؤولية تاريخية.. وأتذكر الشاعر الراحل الشلطامي قال لي: «كلمتك تظل أنت سيدها إلى أن تخرج من فمك وبعد خروجها من فمك تصبح أنت عبدها»، وأنا لا أقول إلا ما أنا مؤمن به، ولى طريقتي الخاصة التي لم تتغير، ونهجي الشعري المعروف، وهو شعر المواجهة والمكاشفة والرفض وإعلان الفجيعة، مثل قصيدتي «الربان الذي يبحر بعد».
ومع ذلك فأنت بداخلك طفل..
أنا ربتني أمي وعندما كنت أتحدث معها كانت شفتاها تتحركان مع شفتي، لذلك كنت أختصر في الكلام وأنا بجانبها حتى لا أرهقها، وعلمتني عزة النفس وكانت علاقة الحب بيني وبين أمي ليس لها نظير وأيضاً استمرت هذه العلاقة القوية بيني وبين بناتي وأولادي، وأنا لدي سبع بنات كلهن متزوجات والحمد لله ربيتهن تربية طيبة مبنية على الحب والاحترام، والحمد لله راضٍ عن نفسي رضاءً كاملاً، وأنا تجاوزت السبعين وراضٍ عن إبداعاتي ولو مت سأموت وأنا مرتاح لأني قلت ما يجب أن يقال لأني أديت رسالتي على أكمل وجه.
• عبد الحميد بطاو شاعر وكاتب مسرحي.. أم كاتب مسرحي وشاعر؟
البداية هي الشعر في فترة السبعينات، إذ صدر لي الديوان الأول العام 1976 وقمت بطباعته على حسابي الشخصي في درنة وكان بعنوان «تراكم الأمور الصعبة» وبعدها صدرت دواويني الأخرى وفي العام 1973 دخلت المسرح الوطني في درنة ومنه تعلمت طريقة التنفيذ والإخراج، وكتبت أكثر من خمس مسرحيات شعرية.
• لديك هذا العدد من المسرحيات الشعرية.. أنت رائد المسرح الشعري في ليبيا..
– أنا أعتبر الوحيد في ليبيا وأقولها بكل فخر والذي صدرله خمسة دواوين بالفصحى وثلاثة دواوين بالعامية وأكثر من ثماني مسرحيات شعرية، وللأسف لم أحظ باهتمام على الرغم من أن أغلب هذه الطبعات نفدت من المكتبات، خلاف ذلك فأنا رائد المسرح الشعري، هناك من قال إن رائد المسرح الشعري علي صدقي عبدالقادر رحمه الله وغيره ولكن هؤلاء كتبوا مسرحيات في صحف، ولكن حتى تكون مسرحية بشكل حقيقي لابد أن يكون النص واضحاً ويتم تمثيله ويعرض على جمهور وفي هذه الحالة تكون المسرحية جديرة بأن تسجل من ضمن تراث المسرح الشعري الليبي.. لدي مسرحية فازت بالجائزة الأولى في أول مهرجان مسرحي العام 1988 وهى «طوفان الأطفال» ولدي مجلد صدر عن الثقافة بعنوان «مسرح بطاو الشعري»، والمسرح الشعري هو جزء من تكويني لأني وجدت نفسي فيه ووجدت فيه براحاً من الروعة وأنا أعتز كثيراً بالمسرح الشعري، وأعتبر نفسي رائد المسرح الشعري في ليبيا وسأدافع عن ذلك ما حييت.
• هل وقفت على خشبة المسرح ممثلاً؟
– نعم وقفت على خشبة المسرح في العام 1963 كنت من ضمن فرقة مسرح دارنس وشاركت في مسرحية «تضحية وجهاد»، التي ألفها المرحوم محمد مصلي، وقمت بأداء دور محامٍ، وكذلك مثلت مسرحية «انتبهوا أيها السادة» سنة 1973 تحت إشراف الخبير المصري الفنان حسن عبد الحميد وكان من المتخصصين واستفدت منه في الصور المسرحية والإلقاء، ومثلت معه في عديد المسرحيات وكان دائماً يؤيدني ويشجعني.. نعم كان يُوجد في تلك الفترة مجموعة وطاقم رائع من الفنانين الخبراء المصريين مثل عمر الحريري والسيد راضي.. وتحت إشراف الفنان حسن عبدالحميد، وقتها كتبت أول مسرحية شعرية وهى «الموت أثناء الرقص» في العام 1973 انتهت في العام 1974 ونشرت في العام 1983 وشاركت في العام 1989 بمسرحية «طوفان الأطفال» وفزت بالجائزة الأولى في ذلك العام.
• كيف ترى «الموت أثناء الرقص»؟
– «الموت أثناء الرقص» هي المجموعة الأولى التي طبعت وهو أول كتاب وأول نص مسرحي شعري متكامل صدر في ليبيا ليكون مسرحية شعرية متكاملة من الألف إلى الياء تتحدث عن الشعر الفلسطيني والظلم الأميركي وكثير من الأشياء التي تحدث بطريقة غير عادية، و«الموت أثناء الرقص»، مسرحية في نهايتها كانت تصور أناساً يرقصون يموتون وتموت فيهم الأشياء الجميلة ويفضلون أن ينتفض فيهم إنسان آخر وهو بداية الفجر العربي وهذه المسرحية متفائلة وموجودة الآن من ضمن المكتبة الليبية.
• هل مُثلت هذه المسرحية؟
– مُثلت في مهرجان المسرح العام 1986 في درنة ومثلتها فرقة إجدابيا وعرضت في بعض المسارح.
• أنت صنعت جسراً بين العامية والفصحى في مسرحية «الجسر»..
– نعم «الجسر» هي مسرحية مزجت فيها بين اللهجتين العامية والفصحى في الشعر، وكان لابد أن يكون فيها هذا المزج لأنها كانت تمثل مأساة العرب في هزيمة (67)، وكانت حواراً بين جندي خارج من سينما وكاتب يعيش في أحلام الأمة العربية القديمة والأمجاد القديمة ولم يقتنع بالواقع ليخدمه لقاؤه مع هذا الجندي، ويبدأ يواجه الواقع، وانتهت المسرحية على أنه لابد من جسر كي نعبرعليه للغد المشرق. و للأسف فإن المسؤولين في قطاع التعليم في تلك الفترة أخذوا المسرحية ودمجوها في منهج رابعة ثانوي لغة عربية في كتاب البلاغة دون أن يأخذوا الإذن مني أو حتى يوجهوا لي أي كلمة فقط كنت أتمنى أن تكون مع المسرحية نبذة وتعريفاً بي كشاعر ليبي.
• ما الذي قلته «عندما صمت المغني»؟
– نعم ديوان «عندما صمت المغني» يعتبر مرحلة ثالثة من التطور الشعري بالنسبة لي، فيه الكثير من القصائد الفلسفية وهو يحمل مضامين كثيرة وطُبع مرتين، مرة عن طريق الدار العربية للكتاب، عن طريق الأديب الكبير خليفة التليسي والذي قال في حقي كلمة جميلة على الوجه الآخر من الغلاف، ثم طبعته مرة ثانية على حسابي في مصر، وفيه كتبت قصيدة مرثية مرائية ثم طورتها إلى مسرحية معزوفة الكبرياء، وهذه كانت قصيدة استوحيتها من لقائي مع المرحوم أنور الطرابلسي، ثم استوحيت منه بعد ذلك كتابة النص المسرحي الذي سميته «معزوفة الكبرياء» وشاركت بهذا العمل فرقة محمد عبد الهادي في المهرجان التجريبي في دورته الثانية مع الفنانة نجلاء الأمين والفنان عبد السلام الصلابي في دور الشاعر، وفاز هذا النص بجائزة أفضل نص. وقامت فرقة مسرح محمد عبدالهادي بعرض هذه المسرحية بدرنة، كما عرضتها الفرقة نفسها في كل من القاهرة بمصر ومدينة مكناس المغربية العام 2004.
• ما قضية الشاعر عبدالحميد بطاو الأولى؟
– قضيتي الأولى هي إبداعي الذي أتمنى أن يتواصل، فكلما وجدت من يحفظ قصيدة لي أحس بسعادة غامرة وأن هذا ما أسعى إليه، فمنذ فترة كنت مشاركاً في مئوية الشاعر رفيق المهدوي بالجبل الغربي ووجدت هناك شباباً يحفظون قصائدي ويرددونها، شعرت حينها بنشوة وسعادة لدرجة الغرور، وهذه من الأمور التي أعتز بها في الحياة، وقضيتي الأخرى أنني تعرضت للظلم كثيراً، نتيجة ممارسة السلطة الوظيفية وتمت إحالتي كعمالة زائدة ثلاث مرات، الأولى العام 1972 عندما تمت إحالتي من الإعلام إلى الإدارة المحلية، والثانية من شركة الكهرباء إلى إدارة المواشي واللحوم، والثالثة تمت إحالتي من إدارة النشر والتوزيع إلى الأمن الداخلي وعملت به سنتين ثم أحلت إلى المعاش سنة 1991 ومنذ ذلك التاريخ وأنا في بيتي أحاول أن أنجز أعمالي الثقافية والأدبية، وأعيش أنا وأسرتي على مرتب تقاعدي زهيد.
• هل كتبت للأطفال؟
– لم أكتب للأطفال لكن الأطفال كانوا موجودين في كل قصائدي فهم الرهان الوحيد الرابح الذي أراهن عليه.
• وماذا عن دور الشعراء العرب حيال القضايا العربية؟
– أعتقد أن كثيراً من الشعراء العرب أدوا ما عليهم ولكن هناك مراحل لا ينفع معها الشعر ولا النثر، مراحل تقتضي كفاحاً مباشراً ومواجهة حقيقية مع العدو، وحقيقة هناك شعراء نزفوا شعراً من ألم قضايانا الراهنة كالشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وأيضاً الجواهري ودنقل والسياب وسميحة القاسم وغيرهم، لكننا بوصفنا شعراء علينا أن نؤدي دورنا وأن لا تبقى قصائدنا صامتة في ظل النكوص العربي.
• ماذا تمثل المرأة في حياة الشاعر عبدالحميد بطاو؟
– المرأة أهم شيء وهي أيضاً موجودة في جميع قصائدي وهي الملهمة وهي الشيء الرائع وهي التي نتعلم منها الكثير ولها تأثير علينا، المرأة هي الأم والزوجة والابنة والحبيبة، وهي التي تجعلنا نمارس الأشياء الجميلة، كأن نرتب من أنفسنا لكي نحظى بإعجابها وأيضاً نصبح شجعاناً وأقوياء وأذكياء لكي نثير اهتمامها. حقيقة المرأة ملهمة الأشياء الجميلة.
• ما نقطة ضعف الشاعر عبدالحميد بطاو؟
– نقطة ضعفي هي الأطفال ولا أستطيع أن أسمع بكاء طفل، فأسوأ موسيقى أسمعها هي بكاء الأطفال.