صدر حديثا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن كتاب جديد للباحث والأكاديمي د. أحمد زهير الرحاحلة حمل عنوان: “نظرية الأدب الرقمي.. ملامح التأسيس وآفاق التجريب”، في 256 صفحة من القطع المتوسط.
الاشتغال الأولي الذي ينطلق الكتاب منه يتأتى بصيغة سؤال عن إمكانية المزاوجة بين الأدب والتكنولوجيا، وعن الجينومات التي سيحملها الجنس الأدبي الناتج عن هذه المزاوجة، ومبدأ التساؤل ذاته يشي ضمنيا بأن الدراسة تقرّ بالبراغماتية القابلة للتحقق على هذا المستوى، وحق الأدب في الممارسة التجريبية، والانفتاح الحر على المستويات المعرفية كافة.
وعليه فإن مفهوم “الأدب الرقمي” الذي ينظر فيه يحيل في جوهره إلى النص الأدبي الذي ينتفع إلى أقصى حد من التكنولوجيا وتطبيقاتها، عبر وسيط إلكتروني قادر على أن يكون مكونا أصيلا بين المبدع والنص والمتلقي في وقت واحد، وضمن فضاء رحب لحرية المشاركة في العملية الإبداعية.
كان لفكرة هذا الكتاب بواعث جمة، لعل أهمها الحاجة إلى مصادر ومراجع تنتسب انتسابا تاما لهذا التطور المضطرد في النظرية الأدبية، إلى جانب العون والإفادة للباحثين في هذا الحقل الجديد، من خلال حشد الآراء والأعلام والمصادر والأعمال المتصلة بالإبداعات الرقمية حتى تاريخ إنجاز مباحث هذا الكتاب، وكذلك استفزازا لرؤى المشتغلين والمبدعين الرقميين حول الأدب الرقمي على نحو يفتح بابا للحوار والنقاش حول قضاياه وأسئلته التكوينية، وهي واحدة من أهم الخطوات التي يعوّل عليها في إطار التأسيس لمرحلة إبداعية جديدة.
الكتاب ينتهج منهجا تأسيسا، يخاطب الباحثين والدارسين في مستويات التلقي الأولى والمتقدمة، قصد تشكيل وعي عام بالأدب الرقمي، ويحاور الآراء والأعمال الريادية في هذا الحقل الجديد ويناقشها.
ولعل هذا أيضا واحدا من مسوغات الاقتباس والتكرار الذي قد يرى القارئ ملامح له في كثير من مباحث الكتاب، فالكتاب في أصله مجموعة من الأبحاث العلمية المحكمة التي قُبلت ونُشرت في مجلات علمية محكمة عريقة، بدأ الاشتغال عليها قبل عدة سنوات، وكانت تتطلب في كل واحد منها الوقوف على قضايا تأسيسية أصولية؛ ولتنوعها واختلافها فضّلنا تركها على حالها، لتحقيق النفع منها في حال اهتمام القارئ بمبحث أو أكثر دون المباحث الباقية.
يتكون الكتاب من مقدمة وستة مباحث أساسية، جاءت على النحو الآتي:
المبحث الأول: الأدب والتكنولوجيا – تأملات في النص التفاعلي والتفاعل الرقمي.
المبحث الثاني: الشعر والتكنولوجيا – تحولات الرؤى والتشكيل.
المبحث الثالث: السرد والتكنولوجيا – تحولات الشكل والمضمون.
المبحث الرابع: إشكالات المتلقي في ضوء الإبداع الرقمي- المفاهيم والشروط والوظائف.
المبحث الخامس: البلاغة الرقمية والنصوص الترابطية “ظلال العاشق” لمحمد سناجلة” نموذجا.
المبحث السادس: في النقد الأدبي الرقمي.
هذا الكتاب بغثه وسمينه، وخطئه وصوابه، يحمل جمله من الأهداف والرؤى، كان مدار الاجتهاد فيها تحقيق حالة من الوعي الإبداعي الرقمي لدى المتلقي العربي، وتدفع الدارسين إلى الإقبال على الانصهار في حركة الاشتغال الرقمي، وعلى الرغم من الفجوة الرقمية الحضارية التي نعيشها فإن ذلك لا يمنع من الإسهام في محاولة ردمها، ولأن الفجوة أكبر من توقعاتنا فإنا نحذر من أن القفز من فوقها سينتج عنه سقطة مدوية لا نريد لها أن تضاف إلى سقطاتنا الحضارية المتوالية.
العالم اليوم بدأ يودع كثيرا من التقاليد والممارسات، ويندغم طوعا وكرها في التحولات الإلكترونية، مستعينا بالتكنولوجيا وتطبيقاتها المتجددة، وحدود هذا التغيير والتجديد لم تترك شيئا إلا واحتوته، أو أثرت فيها، والآداب والفنون لن تستطيع الصمود طويلا أمام هذه الموجة، وستخسر كثيرا في سعيها للمحافظة على تقاليدها وأصولها، والأولى بها أن تتكيف مع إكراهات العصر الجديد وأدواته، وأن تدخله على نحو يحفظ لها القيمة الجوهرية والوظائف الحيوية مهما كان الشكل أو الوسيط.