وآن لهذا الفارس ان يترجل
رحيل استاذة الصحافة القلم المناضل فاضل المسعودي
تنكب منذ بداية الوعي والشباب طريق النضال والدفاع عن شرف الكلمة والانخراط في الجهاد من اجل الوطن وحريته واستقلاله وكرامة الانسان وحقه في ان يعيش بشرف وحرية، كان دون العشرين سنة من عمره، في مطلع الخمسينيات عندما قاد حملة في مكان دراسته في مصر ضد دخول ليبيا في احلاف عسكرية وتكبيلها بالقواعد البريطانية والامريكية وانشاء قاعدة العدم في طبرق وقاعدة ويلس او الملاحة في طرابلس، وظل بعيدا عن وطنه واهله عدة سنوات غير قادر على ان يدخل البلاد، حتى قدر له ان يلتقي بالأستاذ الفاضل اطال الله عمره سيف النصر عبد الجليل وكان قد تولى رئاسة المجلس التنفيذي في فزان الولاية التي لها بعض الاستقلالية عن الحكومة المركزية، فشفع له ولزميله محمد عمر الطشاني عند ملك البلاد، وضمن له ان يعيشا في كنف الولاية وان تستفيد الولاية من خبرتهما فعاد بهما في سيارته الى عاصمة ولاية فزان ليتوليا تأسيس مصلحة للمطبوعات وصحيفة اسمها فزان ومطبعة خاصة بالولاية، ولأنه كان ينتمي لأسرة علم وثقافة بها علماء وقضاة هي عائلة المسعودي، في العاصمة طرابلس فقد تم بذل المساعي لان يعود الى طرابلس ويوظف خبراته الصحفية ونشاطه الوطني مع اكثر الصحف معارضة وتبنيا للخط الوطني صحيفة الليبي التي كان يتولى اصدارها الوطني المعروف المحامي والقانوني وصاحب المواقف الوطنية الشهيرة المرحوم على الديب، ثم وبعد سنوات من العمل في مشاريع صحفية ذات صبغة وطنية واستفادة من هامش المعارضة الذي كان متاحا في العهد الملكي، قرر ان يتولى اصدار صحيفة يقوم هو نفسه بتحريرها والاشراف عليها والاستعانة بعدد من الكتاب خاصة ممن يحبهم ويتعشم فيهم الاصالة والجودة والاتقان وكان شرفا عظيما انني احد الذين دعاهم للمساهمة في صحيفته الميدان منذ صدورها في العام 1964 الى ما بعد النكسة في عام 1967 عندما بدأت الاستعداد لرحلة الدراسة في بريطانيا التي باشرتها عام 1968، وكنت موجودا في البلاد وعدت للكتابة في الميدان قبل ايام من انقلاب سبتمبر، وكنت احد المرحبين بهذا الانقلاب وكتبت في الصحيفة اكثر من مقال ترحيبا به، ولكنه لم يكن راضيا عن مبدأ الانقلاب العسكري وانتظر لعل الانقلابيين يظهرون شيئا يؤكد رغبتهم في تسليم الحكم الى نظام مدني قائم على الانتخاب والتفويض الشعبي غير انهم على العكس من ذلك اظهروا كثيرا من العنت والتجبر والرغبة في الاستحواذ على السلطة دون عودة الى الشعب، فكان قراره ان لا مكان له مع هذه الطغمة من العسكريين ولا فرصة للتعايش معهم وانتهز فرصة مقال كتبه الكاتب المصري المعروف أحمد بهاء الدين ترحيبا بما اسموه الثورة اي انقلاب سبتمبر يؤكد فيه على افاق التعاون بين مصر الناصرية وسودان النميري وليبيا انقلاب سبتمبر، فكتب ردا موجعا مناهضا للانقلابيين ومنطقهم ونشر المقال في الصحفة الاولى من الميدان عارفا انه مقال سيعرض الصحيفة للإغلاق، فكتب مقاله منطق البطون الجائعة ووصلت تعليمات قائد الانقلاب الى وزارة الاعلام بإيقاف صحيفة الميدان والى الابد كما كتب فوق الصفحة الاولى منها عندما قرا المقال ونقل عنه انه قال لحظة قراءة المقال ان فاضل المسعودي لو كان امامه لاطلق عليه الرصاص.
وبدأت منذ ذلك اليوم رحلة المعارضة ضد نظام سبتمبر حيث كان اول المعارضين وقاد لأكثر من اربعين عاما فصيلا من فصائل المعارضة، وكان خلال هذه الاعوام مستهدفا من النظام يطالب براسه يريد قتله، وهو يعيش مهددا بان يقتحم القاتل عتبات بيته في اية لحظة، وخلال وجوده في الخارج التقيت به مرات معدودة راجيا ان يفرج الله على ليبيا وان ينتهي نظام القهر والقمع واغتصاب السلطة وكان سعيدا عندما انتهى النظام تحت ضربات الشعب، الا ان البديل لم يكن يرضى طموح معارض مثل المرحوم فاضل المسعودي ولم يكن يتكافا مع اعوام النضال والتضحيات، ولكنها ارادة الله ومشيئته وما شاء فعل، فقد عاش في الغربة ومات في الغربة، ولا نقول الا ما يقضى بالتسليم بإرادته انا لله وانا اليه راجعون، رحم الله الصديق الكبير واستاذ الصحافة وعميدها وقيدومها المناضل فاضل المسعودي وعوض الله فيه الوطن خيرا وحقق اماله واحلامه التي عاش ومات وهو يؤمن بها وطن كريم حر ينعم فيه الناس بالحرية والاستقلال والحياة الكريمة .
كنت قد كتبت تفاصيل ما حدث مع المرحوم فاضل المسعودي ونشرته خلال الايام الاولى للثورة بعنوان ما حدث للمناضل الصحفي الاستاذ فاضل المسعودي سوف اعيده في ادراج قادم انشاء الله ورحم الله المناضل الكبير الراحل واكرم مثواه في دار البقاء وخالص العزاء لابنه وكل افراد عائلة المسعودي الكريمة في طرابلس وانا لله وانا اليه راجعون.
[divider]