المقالة

مفارقة الجد

قبل عدة أيام سمعت أحدهم في أحد الطوابير يقول غاضباً: “يلعن جدّ الطوابير”

أنا أتفهم أن يسبَّ أحدهم الطوابير، لكن لماذا يسب ويلعن (جد) الطوابير؟

وهل للطوابير جد؟

وهنا يشتط بي الخيال بعيداً..

تذكرت نظرية السفر عبر الزمن والمفارقات التي تحيط بها، ولعل أشهرها مفارقة الجد (Grandfather Paradox)، وهي تحكي قصة ذلك الصبي الذي رجع إلى الزمن الماضي فقتل جده، وعندما أراد الرجوع إلى الزمن الحاضر قيل له: “يفتح الله”!

وبالمناسبة؛ كلمة “يفتح الله” عند الليبيين ليست دعاء للاستفتاح، وإنما هي تعبير عن أشد أنواع الرفض.

المهم..

أن هذا الصبي لم يفقد إمكانية الرجوع للزمن الحاضر فحسب، وإنما أيضاً فقد سبب وجوده، وبما أن القاعدة تقول بأن الشيء يزول بزوال سببه، فإن هذا الصبي قد وجد نفسه غير موجود.

وبما أن هذا الصبي لم يُوجد أصلاً.. فالسؤال هنا:

من الذي قام بعملية الرجوع إلى الزمن؟؟!!

ربما لم يفهم القارئ هذا اللغز، لكن لا تهتم، لأن الكاتب نفسه مش فاهم!

وأصلاً.. ما علاقتنا بالولد اللي قتل جده؟

لكن ما يهمنا هنا، هو أن الليبيين هم من اكتشفوا مفارقة الجد، فقبل فترة قال لي أحدهم بعد أن كدت أصدمه بسيارتي: “يلعن جدك”

لم أفهم في البداية ما ذنب جدي في خطأ ارتكبته أنا.. وبعد أن قرأتُ عن مفارقة الجد والحلقة السببية عرفت أن جدي هو المخطئ في حق هذا الرجل، لأن جدي لو لم يتزوج جدتي وينجب والدي لما كنت أنا هنا اليوم أروع أحد المارة.

وجدي أيضاً غير مهم هنا في هذا الموضوع.

لكن المهم هنا بالفعل هو (جد الطوابير)!

إن المهم حقاً.. هو أن لا ننظر إلى الإشكاليات على أنها ظهرت فجأة، أو خُلقت من طين، بل هي ذات حسب ونسب، وأصل ومنبت، وماض وتاريخ.

والمهم فعلاً.. هو أن لا ننظر إلى مراحل التاريخ على أنها جُزر متناثرة، أو كواكب معزولة، أو قطع مفصولة.

بل إن كل مرحلة هي أبٌ شرعي للمرحلة التي تليها، تورثها نفس الجينات والصفات التي ورثتها عن سابقتها، وهي السبب الفعلي والمباشر في ولادة المرحلة التالية!.

ولا يمكنك أن تدرس زمن أو عصر، أو تنتقد زمن أو عصر، أو تحكم على زمن أو عصر دون النظر إلى تلك الأزمنة والعصور التي ولدته، سواء أكانت الولادة قيصرية أم طبيعية!.

وهنا يقاطع خيالي صوت نفس الرجل الذي لعن جد الطوابير، لكنه هذه المرة يلعن جد الصينيين، ويخرج من الطابور يدحرج اسطوانته المزورة، دون أن يتمكن من تعبئتها!.

ولولا ملامح الغضب التي تفجرت على وجه ذلك الرجل المنكوب، لقلت له: “أن تلعن جد الأشخاص الفاسدين في بلدك خير لك من أن تلعن جد الصينيين”.. لأن اختفاء كمشة فاسدين من على وجه الأرض – وإن كانوا من بني جلدتك – أهون وإيسر وأسهل من اختفاء مليار وثلاثمئة مليون نسمة!.

مقالات ذات علاقة

المكان باعتباره طِرْساً

عمر أبوالقاسم الككلي

تكفير الكُتَّاب وتحليل الإرهاب

عمر أبوالقاسم الككلي

17 فبراير اصبح جزء من تاريخ ليبيا

خالد الجربوعي

اترك تعليق