تجاوزت القبيلة عبر مراحل التاريخ العربي بعدها الاجتماعي لتكتسب أبعاداً سياسيّة؛ ذلك أنها شكّلت منظومة من البنى الفكرية والعاطفية التي تتحكّم في آراء الفرد ومواقفه، كما أنّ كثيراً من الصراعات الكبرى في التاريخ الإسلامي كانت ذات بعد قبلي، وهو ما نتج عنه تأسيس دول وممالك رفضت فيها القبيلة فكرة مشاركة السلطة لنكون أمام نموذج أولي لدولة الحزب الواحد، فالقبيلة كانت في كثيرة من الأحيان أيديولوجيا أقوى من الدين نفسه الذي وُظّف ليخدم المطامع السياسية للقبيلة.
مثّلت القبيلة في ليبيا على امتداد العقود الأربعة الماضية بديلاً عن الأحزاب السياسية التي جُرّم تأسيسها، وعُدّ الانتماء إليها خيانة عظمى، كما أنها عملت على ترسيخ نظام الحكم الذي احتكر السلطة ورأس المال، ومقابل بعض الفتات السياسي لعبت القبيلة دوراً مهمّاً في تعميق فكرة المحاصصة من خلال ما عُرف بـ(التصعيد)، وبعيداً عن كيل المديح للقبيلة أو ذمّها يمكن القول: إنّ بين (التصعيد) و(الانتخاب) مسافة زمنية وحضارية؛ ذلك أنّ التصعيد العلني للأشخاص من خلال رفع الأيدي يحدّ من إرادة الناخب الذي ينحصر اختياره في اختيارات القبيلة نفسها، فالتصعيد لم يكن إلّا تصعيداً قبليّاً أعاد للواجهة فكرة رأسيّة المجتمع الذي يردّد فيه لسان حال القبيلة قول الشاعر:
(لنا الصدر دون العالمين أو القبر).
في المقابل يرتبط الانتخاب السرّي بإرادة الناخب بوصفه فرداً حرّاً له اختياراته، بالرغم من ذلك يدرك الناظر إلى المشهد الليبي أنّ القبيلة مازالت تُمثّل واحدة من أقوى الأيديولوجيات، وهو ما يجعل الانتخاب شبيهاً بالتصعيد، كما أنّ كثيراً من ممثّلي أطراف الحوار السياسي يرفع شعار: (وما أنا إلّا من غزيّةَ إنْ غوتْ غويتُ وإنْ ترشد غزيّة أرشد).
____________
نشر بموقع 218